عندما كنا نقول بأن الولايات المتحدة الأميركية بإداراتها ورؤسائها السابقين واللاحقين تقف بشكل منحاز وسافر إلى جانب القوى الامبريالية والاستعمارية في العالم، وأنها تقف إلى جانب الكيان العبري منذ تفجر الصراع العربي الإسرائيلي عندما تأسست دولة الاحتلال بقرار مجحف فيه الكثير من التآمر الدولي والعربي على فلسطين الأرض والشعب، كان البعض يقول بان هذا إنما يأتي ضمن الاصطفافات الحاصلة حينذاك مع احد القطبين الرئيسيين في العالم – الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة- وانه محاولة لتعميم الفكر الإلحادي المعادي للحرية والديمقراطية التي تبشر بها أميركا والغرب بعامة.
أما وقد غاب وأفل نجم الاتحاد السوفييتي الذي كان يشكل في فترة من التاريخ عاملا مهما في كبح جماح مطامح ومطامع أميركا، فانه لم يعد من الممكن توجيه مثل هذا الاتهام لمن وقف ولا زال يحافظ على هذا الموقف في رؤيته لما هي عليه الولايات المتحدة الأميركية من عدوانية ورغبة في التسلط والسيطرة على شعوب وبلدان العالم، بغض النظر عن الطريقة التي قد تمارسها سواء كانت عن طريق الهيمنة العسكرية أو الاقتصادية أو فرض الحصار أو أي من الطرق التي لا تتردد أميركا باستعمالها من اجل تحقيق أهدافها، حيث أن لا محرمات أو ممنوعات يمكن أن تمنع هذه الدولة عن تحقيق ما تريد وهناك من التجارب معها الكثير- نعتقد بأن نظرة بسيطة الى الطريقة التي تشكلت بها الولايات المتحدة من خلال القضاء على جنس بشري بأكمله واستعمال الأسلحة الذرية في اليابان تكفي للتدليل على العقلية الأميركية- .
أميركا ومن يسير في ركبها يحاولون نفي هذا الاتهام ويعتقدون أن الولايات المتحدة لا تستحق أن تقابل من قبل الآخر بمشاعر الكراهية أو عدم الود، لكن ما الذي قدمته أميركا منذ أصبحت القطب الأوحد والمسيطر لا بل سيدة العالم، وهل تغيرت الذهنية الاستعمارية والاستعلائية وسياسة الاستكبار والتسلط التي تحكم من يقومون على هذه الدولة، هل تغيرت السياسات الأميركية خاصة وانه لم يعد هنالك ما يبرر هذه السياسة التي كانت الإدارات الأميركية تحاول ربطها بوجود الاتحاد السوفييتي.
نعتقد بأن بإمكان أي مراقب أن يرى بدون أدنى عناء أنه منذ العام 1990 لم تقم الولايات المتحدة الأميركية سوى بكل ما ينم عن العقلية الاستعمارية التي تتحكم بالساسة الأميركيين، وان وجود أو عدم قوة أخرى منافسة لأميركا ليس سوى حجة تتلطى خلفها أميركا من أجل تنفيذ مخططاتها التي كانت دائما موجودة من حيث الرغبة في السيطرة على العالم.
وفيما يتعلق بالأمة العربية والإسلامية و بفلسطين -في الفترة ذاتها-، فإننا لم نسمع من الإدارات الأميركية التي تعاقبت على البيت الأبيض – والتي كانت عبارة عن حكم آل بوش عمليا حيث سيطر الأب والابن على مقاليد الحكم هناك لو استبعدنا فترة كلينتون – سوى جعجعة ولم نر طحينا ولا حتى شيئا يشبه الطحين، فلقد استطاع الأب أن يخدع الأمة العربية حينما قال بأنه سوف يقوم بحل المسالة الفلسطينية وعمل ‘ هليلة’ مدريد بعد أن جرجر القادة والجيوش العربية الى حفر الباطن وحصل الذي حصل للعراق في حينه، وقد اتبع الابن – فرخ البط- الشيء ذاته حينما قال بأنه سوف يحل المسالة الفلسطينية في فترة أقصاها العام 2005، ثم غير ذلك ليصبح 2009، ومن ثم عاد ليقول بأنه سيفعل ذلك في العام 2008، وهو عندما قال ذلك في البداية فإنما كان يحضر لغزو العراق واحتلاله وتحويله الى احدى المشيخات التابعة للسيد الأميركي وقد نجح في ما أراد وها نحن لا نزال نرى ما الذي جرى ويجري في العراق.
وها هو يأتي إلى المنطقة ويقول كل هذا الذي سمعه من أراد سماعه، ويحاول إن يستقطب من المؤيدين والحلفاء من يستطيع بحجة الخطر الإيراني والخطر اللبناني ممثلا بحزب الله والخطر الفلسطيني ممثلا في حركات الجهاد وحماس والقوى المقاومة الأخرى في فلسطين، ويربط كل ما هو إسلامي مقاوم بالإرهاب، وصار السيد بوش حريصا على السنة وأهل السنة وكأنه واحدا منهم، لا بل أكثر جزعا من كثيرين منهم على المذهب، خاصة الذين لا يصدقون كلمة مما يقول ح
ول الخطر الشيعي المزعوم الذي صار ينظر ويروج له من ربط نفسه بأميركا ومن معها من شيوخ الإفتاء الجاهزين لإصدار الفتاوى حسب الطلب.
ول الخطر الشيعي المزعوم الذي صار ينظر ويروج له من ربط نفسه بأميركا ومن معها من شيوخ الإفتاء الجاهزين لإصدار الفتاوى حسب الطلب.
الرئيس الأميركي جورج بوش الذي كذب وأركان ادارته مئات المرات في القصة العراقية بحسب الإحصاءات الأميركية كرر الكذب ذاته فيما يتعلق بفلسطين، إلا أن أحدا لم يرصد عدد المرات التي كذب فيها بوش في هذه المسألة على ما يبدو، بوش ظل يكذب حتى اللحظة الأخيرة وعندما أراد إن ‘ يبق الحصوة’ لم يتردد في أن يأتي إلى المنطقة ويعلن للأمة ومن على منبر الكنيست بأنه كذاب أشر، لا بل هو وبفعلته تلك إنما كشف عن وجه فيه من القبح أكثر من فيلنائي الذي وعد أهل غزة بهولوكوست جديد لا بل ما هو اشد من الهولوكوست، خاصة عندما ذهب بعيدا في تصوير دولة الاحتلال بأنها دولة الحرية والديمقراطية في المنطقة – وربما في العالم بحسب بوش- وهو لم يكتف بذلك، لا بل لم يشر حتى ولو بإشارة عابرة عن معاناة أبناء فلسطين الذين يقبعون في مخيمات الشقاء منذ النكبة وعلى بعد كيلومترات فقط من المكان الذي كان يقف فيه بوش ملقيا خطابه.
بوش لم يكتف بذلك بل هو زج الشعوب الأميركية في الصراع الدائر عندما قال بان إسرائيل يجب أن تعرف بأنها إذا ما واجهت الأخطار فان هذا يعني بان عليها أن تعلم بان شعب الولايات المتحدة بكامله يقف الى جانبها. كما وانه وجه لطمة لكل الحالمين والمراهنين على الولايات المتحدة الأميركية بأنها قد تكون وسيطا نزيها في حل المسالة الفلسطينية، وهو لم يكتف بهذا بل ذهب أبعد منه عندما تدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية التي تعتبر حليفا استراتيجيا لأميركا عندما أشار إليها فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان في صفعة ربما لم تكن تتوقعها.
الزيارة التي قام بها بوش الى إسرائيل محتفلا بذكرى تأسيسها على أنقاض الشعب الفلسطيني وما تخللها من مواقف جلية واضحة عن دعم غير محدود لدولة الاحتلال، كان يجب إن تكون مناسبة للقادة العرب أن يعتبروا، وان تكون فرصة لهم للاحتجاج بصوت واحد مدو ضد أميركا وسياستها واستهتارها واستعلائها، وكان يجب إن تكون هذه الزيارة هي ‘ الحجر’ الذي يدق جدران عقولهم ليدركوا بان رهانهم كان دوما رهان خاسر، وان الولايات المتحدة الأميركية التي اصطفوا الى جانبها لا تصطف الى جانبهم، وان لها حساباتها التي تختلف عن حساباتهم، هذا إن كان لديهم ما ‘يحسبون’ سوى عدد المليارات التي جمعوا من خلف ظهور وعلى حساب شعوبهم.
بيت لحم 21-5-2008