الشعب الفلسطيني متفق على أن حرب الخامس من حزيران 1967 كانت حرب عدوانية احتلت فيها إسرائيل البقية الباقية من أرض فلسطين، وكانت هذه الحرب ولا زالت مشهد من مشاهد العجز والهزيمة العربية كون دولة الاحتلال تفوقت على فلسطين والأردن ومصر وسوريا في خمسة أيام، ولا زالت تحتل أجزاء من أراضي الدول التي هزمت بهذه الحرب إما بشكل مباشر كما هو في الجولان وفلسطين أو بشكل غير مباشر كما حصل في الأراضي الأردنية والمصرية تحت عنوان أراضي مستأجرة أو منزوعة السلاح.
ومع الأسف لم يبقى تاريخ الخامس من حزيران وحيداً في ذاكرة الشعب الفلسطيني، بل جاء إلى جانبه تاريخ الرابع عشر من حزيران والذي لن تمحى أحداثة من ذاكرة الشعب الفلسطيني عامةً وذاكرة أهالي الضحايا الذين سقطوا بدون ذنب بهذه الأحداث، ولكن السؤال كيف سيحيي الشعب الفلسطيني ذكرى هذا اليوم البائس في تاريخه؟، فهل ستعتبره حماس الذكرى الأولى لتحرير قطاع غزة من “تيار دايتون الخياني” على حد تعبيراتهم الرسمية والإعلامية ؟، وكيف ستتعامل حركة فتح مع هذه الذكرى؟، هل تعتبرها الذكرى الأولى لحركة انقلابية استهدفت المشروع الوطني والقضية الفلسطينية لخدمة لأجندات خارجية؟
ولكن في الحقيقية ليس المهم ما ستقوله فتح أو حماس فكليهما سيجدون الكثير من الكلام لقوله، وبكل تأكيد بدء كل طرف منهم تجهيز الأفلام واللقطات الإعلامية، والخطب النارية لاستذكار هذا اليوم كل حسب ما يرتئيه، ولكن ماذا سيقول الطرفان لذوي الضحايا الذين سقطوا في هذه الأحداث؟، هل سيتوجه قادة وجماهير الحركتين لبيوت ذوي الضحايا لإضاءة الشموع في الذكرى الأولى لرحليهم؟، هل سيتفقدون أحوال الأرامل والأطفال اليتامى الذين يبحثون عن أب لن يعود، أو عن أم رحلت برصاصهم الطائش؟، هل سيحملون لهم كوبونات المساعدات وطرود التموين تعبيراً عن تضامنهم معهم؟، بكل تأكيد كل هذا لن يحدث(وإن حدث لن يمثل شيء لذوي الضحايا ولن ينزع ألم وحرقة الفراق من نفوسهم)، فستكرس المنابر ووسائل الإعلام وأقلام كتاب الرأي للدفاع أحد طرفي الاقتتال دون تذكر أو اهتمام للمئات الذين سقطوا، فمن يريد أن يرعى شعبه ويخدم قضيته لا يجعل منه وقوداً لتوجهاته السلطوية، ولن يجعل من عظام أبنائه هياكل كراسيه الفاخرة.
وتبقى المسئولية الكبرى في هذا اليوم على أبناء الشعب الفلسطيني ككل وفي جميع أماكن تواجده، يجب أن يكون هذا اليوم مناسبة حقيقية ليرفع الشعب الفلسطيني عن نفسه غبار الاستقطاب التي لوثته خلال العامين الماضيين، وأن يفتح عيونه على حجم المأساة التي بات يعيشها نتيجة الاحتلال، ونتيجة حالة الانقسام الداخلي، فإن كانت معاناة غزة باتت مضاعفة بسبب الاحتلال وإغلاق المعابر وحالة الانقسام فإن الضفة الغربية لم تصبح لا سويسرا ولا سنغافورة بل هي تعيش مأساة غزة ولكن الاختلاف بالحجم ليس إلا، فلاحتلال هو احتلال أينما كان سواء في غزة أو الضفة، ولا يفرق بين فلسطيني وفلسطيني، فالقتل والاعتقال والإهانات اليومية تطال الجميع.
وعلينا أن نأخذ العبرة من الشعب اللبناني الذي وقف على طريق المطار ليقول لقادته السياسيين وهم في طريقهم لحوار قطر “إن لم تتفقوا لا تعودوا”، وعلى الشعب الفلسطيني في الرابع عشر من حزيران أن يخرج لكل الساحات وكل الميادين العامة في المدن والقرى والمخيمات رافعاً لشعارٍ واحد هو ” يا بتحلوها يا بتحلوا عنا”.
فإسرائيل لن تعطيكم الأمن والسلام في غزة مهما اتفقتم معها على هدنة أو تهدئة، ولن تقام الدولة الفلسطينية قبل نهاية العام، ولن يتحقق وعد بوش بهذه الدولة، فما تبقى لنا هو وحدة الصف الداخلي الفلسطيني من أجل مواجهة هذا الاحتلال الماضي في كل مشاريعه الاستيطانية والتوسعية ضارباً عرض الحائط بكل القيم والمبادئ الإنسانية، وبكل القوانين والقرارات والمواثيق الدولية.