في الوقت الذي شهدت فيه الجلسة الافتتاحية لمؤتمر دافوس الاقتصادي مظاهر اختلاف بين الرئيسين الأمريكي والمصري، أشاد زعيم حزب “الليكود” الإسرائيلي اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو بـ”اللقاء الدافئ” الذي جمعه بالرئيس مبارك، مشيرا إلى توافق وجهتي نظريهما حول ما يمثله “الإسلام الراديكالي” من “خطر مشترك”.
وشهدت الجلسة الافتتاحية لمؤتمر “دافوس” الاقتصادي ما وصفه بعض المراقبين بـ”ظلال سلبية” لكلمة الرئيس الأمريكي جورج بوش، والتي انعكست على كلمة الرئيس مبارك، وحولت كلمتي الرئيسين إلى ما يشبه السجال المتبادل بينهما حول قضايا الإصلاح الديمقراطي وإنتاج الوقود الحيوي وقضية فلسطين.
وظهرت آثار ذلك منذ بداية المؤتمر، حيث لم يحضر بوش وقرينته كلمة الرئيس مبارك الافتتاحية، وظلت مقاعد الوفد الأمريكي شاغرة أثناء الكلمة. بحسب ما نشرته صحيفة “المصري اليوم” المصرية اليوم الإثنين 19-5-2008.
كما غادر مبارك القاعة الرئيسية للمنتدى – الذي يستمر ثلاثة أيام – فور إلقاء كلمة الافتتاح، دون أن ينتظر سماع كلمة الرئيس الأمريكي، الذي وصل إلى القاعة بعد ساعة من بدء الجلسة الافتتاحية.
وكان مبارك ينوي حضور الجلسة الافتتاحية كاملة، لكن عندما علم أن الرئيس الأمريكي سيحضر في منتصف الجلسة، ولن يستمع إلى كلمته قرر أن يكتفي بإلقاء الكلمة، ثم يغادر القاعة، بحسب الصحيفة.
لا تلوموا بوش وحده!
من جانبه وصف الكاتب الصحفي فهمي هويدي الموقف الرسمي المصري بأنه: “ممتعض من الخطاب الذي ألقاه الرئيس بوش أمام الكنيست الإسرائيلي قبل مجيئه إلى شرم الشيخ، وعبر فيه عن تمجيده المفرط لإسرائيل وازدرائه المفرط للفلسطينيين والعرب بوجه عام”. والذي لم يفلح خطاب بوش بـ”دافوس” أن يخفف من وطأته.
ودعا هويدي العرب إلى ألا يلوموا بوش وحده على موقفه قائلا: “إنه معذور فيما عبر به، لأنه خاطب الأنداد بما يستحقون والأتباع بما يستحقون، وإذا أردت أن يحترمك الآخرون فلابد أن تكون أولا جديرا بالاحترام”. وذكر بأن الوضع السياسي في كثير من دول المنطقة يتمثل في “قائد واحد في السلطة ومعارضة في السجن”.
بوش يدعو لـ”الحريات”!
وفي خطابه في افتتاح مؤتمر دافوس حث الرئيس الأمريكي دول المنطقة وقادتها على التوقف عن “قمع” شعوبها والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.
وقصد بوش بدعوته تلك الدول التي تفتقر أنظمتها السياسية والمدنية للحريات، مثل مصر التي تستضيف منتدى دافوس للمرة الثانية، بحسب تقرير لوكالة أنباء “آسوشيتدبرس”، نقله موقع “cnn” على الإنترنت.
وقال بوش أثناء كلمته: “أمريكا تشعر بالقلق الشديد حيال محنة المعتقلين السياسيين في الشرق الأوسط، وبشأن النشطاء الديمقراطيين الذين يتعرضون للمضايقات والقمع، والصحف ومنظمات المجتمع المدني التي يتم إغلاقها، والمعارضين الذين يتم خنق أصواتهم”، داعيا دول المنطقة إلى الإفراج عن جميع من أسماهم “سجناء الضمير”، وإشراك شعوبها في تحديد مصيرها.
وأضاف في كلمته التي نشر البيت الأبيض نصها مسبقا: “لقد حان الوقت لكي تتخلى دول الشرق الأوسط عن هذه الممارسات، وأن تعامل شعوبها بالكرامة والاحترام اللذين تستحقهما”.
وفيما بدا ردا على دعوة بوش وتعريضا بسياسته في التعامل مع قضية فلسطين قال مبارك أثناء كلمته: “الدعوة لترسيخ قيم الحرية والعدل وكرامة الإنسان كل لا يتجزأ، ونحن نتطلع لأن تشمل هذه الدعوة الشعب الفلسطيني لتنهي محنته بعد ستين عاما من التشريد والمعاناة”. وفقا لنص الخطاب الذي نشرته صحيفة “الأهرام” المصرية – المملوكة للدولة – اليوم الإثنين.
وأكد مبارك معارضته لفرض الإصلاح الديمقراطي من الخارج قائلا: “نمضي في استكمال أركان ديمقراطيتنا تعزيزا للتعددية وتفعيلا لحياتنا السياس
ية، بإصلاحات تنبع من الداخل، وتحاذر من تجارب عديدة حاولت القفز إلى الأمام فانكفأت إلى الوراء، ومحاولات لفرض الديمقراطية من الخارج تحت ذرائع عديدة انتهت بدمار واقتتال وإزهاق للأرواح وسفك للدماء”.
ية، بإصلاحات تنبع من الداخل، وتحاذر من تجارب عديدة حاولت القفز إلى الأمام فانكفأت إلى الوراء، ومحاولات لفرض الديمقراطية من الخارج تحت ذرائع عديدة انتهت بدمار واقتتال وإزهاق للأرواح وسفك للدماء”.
غذاء البشر وقود للآلات!
وبينما هاجم مبارك الدول التي تدعم إنتاج الوقود الحيوي في ظل أزمة الغذاء العالمية، دافع بوش عن سعي دول العالم، ومن بينها الولايات المتحدة، إلى البحث عن مصادر بديلة للنفط، الذي لا يكفي المعروض منه احتياجات السوق.
وقال مبارك: إن “توفير الأمن الغذائي للفقراء يمثل تحديا أساسيا.. لا ينبغي أن يكون هدفا للمضاربات أو توجهات تستخدم طعام الإنسان وقودا للمحركات”.
وتساءل: “هل من المعقول أن يمضي البعض في إنتاج الوقود الحيوي وبدعم من الحكومات لمنتجيه؟! وهل من المعقول أو المقبول أن تستخدم المحاصيل الزراعية في إنتاج الإيثانول لتزداد أزمة ارتفاع الأسعار تفاقما؟!”.
وأضاف: “إن المجتمع الدولي في حاجة إلى إعادة تقدير التكلفة الحقيقية لإنتاج الوقود الحيوي بانعكاساته الاجتماعية والبيئية وتداعياته على الأمن الغذائي للبشر”.
وفي المقابل دافع بوش في تصريحات صحفية أمس عن إنتاج الوقود الحيوي قائلاً: “مشكلتنا تُحل إذا قمنا بزيادة قدراتنا على التكرير، وشجعنا الطاقة النووية، واستمررنا في إستراتيجية دفع مصادر الطاقة البديلة” مثل الوقود الحيوي.
ومن المعلوم أن الولايات المتحدة منتج رئيسي للوقود الحيوي الذي وصفه المقرر السابق للجنة الحق في الغذاء التابعة للأمم المتحدة “جان زيجلر” بأنه “جريمة ضد الإنسانية”، وتهدف واشنطن إلى زيادة إنتاج الوقود الحيوي للحد من اعتمادها على استيراد النفط من الخارج، خاصة المنطقة العربية.
كما كانت مصر من بين الدول التي شهدت خلال الأشهر القليلة الماضية عدة احتجاجات وإضرابات بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والوقود.
مبارك يتطلع لـ”وعد بوش”
وعلى صعيد القضية الفلسطينية أعاد بوش ما قاله في خطابه أمام الكنيست يوم الخميس الماضي في الذكرى الـ60 لاحتلال فلسطين، من تمجيد لإسرائيل قائلا: “ستحتفل إسرائيل بعيدها الـ١٢٠، وستكون عندها من أعظم الديمقراطيات في المنطقة، وستلحق الهزيمة بحزب الله وحماس والقاعدة”، معتبرا أن هذه رؤية عالمية وليست يهودية أو أمريكية.
ووعد الرئيس الأمريكي بالتوصل إلى اتفاق سلام فلسطيني إسرائيلي قبل نهاية العام الجاري، لكنه لم يقدم أي دليل ملموس على تقدم المفاوضات قبل أن يغادر المنطقة، مخلفا وراءه إحباطا فلسطينيا.
وهو ما علق عليه مبارك بقوله: “أتطلع إلى اليوم الذي يتحقق فيه هذا الوعد”، مؤكدا حاجة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى اتفاق سلام عادل ومشرف يحقق آمال شعبه ويحوز تأييده.
واستبعد مبارك أن تؤيد الدول العربية اتفاقا لا تتوفر فيه هذه الشروط قائلا: “ويخطئ من يتصور أن أحدا يمكنه أن يوفر الغطاء لاتفاق لا يتجاوب مع آمال الشعب الفلسطيني وتطلعات أبنائه”.
وانتقد مبارك التباطؤ في حل القضايا العالقة بقوله: “لقد أكدت مرارا أن تصاعد الإرهاب ليس مرجعه الأساسي الفجوة بين أغنياء العالم وفقرائه كما يعتقد البعض.. ولا غياب الديمقراطية كما يعتقد البعض الآخر، وإنما مرجعه الأساسي قضايا طال انتظارها لحل عادل في مقدمتها القضية الفلسطينية”.
لقاء “دافئ”
وعلى صعيد آخر أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو باللقاء الذي جمعه بالرئيس المصري حسني مبارك أمس الأحد على هامش منتدى دافوس ووصفه بأنه “كان لقاء دافئا للغاية”. بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
وأعلن نتنياهو الذي تشير استطلاعات الرأي الإسرائيلية إلى احتمال فوزه في انتخابات رئاسة الوزراء القادمة أن مباحثاته مع مبارك قد دارت حول: “التهديدات المشتركة التي نواجهها، وبشكل خاص الإسلام الراديكالي”.
كما تناول اللقاء ما أسماه نتنياهو “جهود السلطات المصرية لمنع تهريب الأسلحة إلى حركة حماس عبر الحدود مع غزة”.
ويفرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا على قطاع غزة منذ سيطرة حركة المقاومة الإسلامية حماس على القطاع في يونيو 2007.