بقلم: الجنرال وفيق السامرائي
من الطبيعي أن تكون مسألة الحرب في العراق الشغل الشاغل للادارة الأميركية أكثر من أي موضوع آخر. فما يجري في لبنان، وان حظي بقلق أميركي كبير، يتعلق بأكثر من طرف مباشر، وهو ما دفع الى تحرك عربي فوق العادة من حيث الزمان ونبرة اللغة.
تزايد النفوذ الايراني يحتاج كبحه الى وقت طويل وبعيدا عن لغة الحرب. ومن بين أسباب التحديد في الشأن العراقي، الشلل الأميركي في استخدام قوات برية كبيرة خارج البلاد، نظرا لما أصاب هذه القوات وطيران الجيش من انهاك خلال خمس سنوات من حرب غير نظامية لها امتداداتها الاقليمية. وقد أدركت ايران هذه الحقيقة ضمن المفهوم التقليدي الذي كثيرا ما ينطوي على مخاطر الخطأ في التقدير.
لا شك أن أي انسحاب أميركي من العراق، كبير الحجم من حيث عدد القوات، له فوائد لا تحصى أميركيا، يمكن تلخيصها بما يأتي:
• التخلص من الأعباء المالية غير العادية، التي تتكلفها الادارة الأميركية مقابل ابقاء قواتها في العراق. وفي المقابل يمكن توظيف هذه النفقات في برامج التحديث والبحوث العسكرية وغيرها من عمليات التطوير. فالأموال التي تصرف على القوات في الميدان تساعد على مضاعفة عمليات التحديث التقني.
• تأمين القدرة على الحركة القتالية الى مكان آخر، طبقا لما تتطلبه حالتا الدفاع أو الاستراتيجية المتبعة في منطقة الخليج وأفغانستان من دون التأثير على خطط استقرار القوات بشكل كبير. فواقع الحال يتطلب المزيد من الجهد ــ الطويل الأمد ــ في أفغانستان، خصوصا بعد مضي أكثر من ست سنوات أثبتت خلالها حركة طالبان قدرتها الاستثنائية على التعايش مع ظروف ما بعد السقوط.
بعيداً عن الميليشيات
• التخلص كليا من معضلة القتال ضد الجماعات المسلحة غير النظامية، التي تتطلب استنفارا دائما وطويل الأمد وجهدا كبيرا وصبرا مملا وخسائر تقل في عملياتها مزايا التفوق التقني والنوعي للقوات. فمعظم مزايا التقدم تتضاءل في ظل الحروب غير النظامية المنهكة.
• تقليل حجم المتابعات اليومية من قبل فرق العمل السياسي وتخفيف الضغط المتعدد عن البيت الأبيض. فما يصرفه كبار المسؤولين الأميركيين على ملف ساخن يفوق ما يصرف على متابعة شؤون البلاد.
• امتصاص ردود الفعل على وجود قوات أجنبية في منطقة لا ترغب في ذلك الوجود.
• اعادة رسم الاستراتيجيات وتجاوز الأخطاء.
لكن للانسحاب شروطا، أهمها أن يكون بناء النظام الجديد في العراق قد بلغ مستوى لا يعني الفشل أميركيا، وأن تكون هناك قوات محلية كبيرة قادرة على حفظ نسبة عالية من الأمن، وألا يترتب على الانسحاب فراغا يؤدي الى قلب المعادلات بما يتسبب في مشكلة تزيد من تعقيدات الموقف الأميركي المعقد أصلا.
حسابات إيرانية
تأسيسا على حالة الصراع وتفسيرا للاستراتيجية الايرانية الحالية، فان كل ما يمكن أن يكون مفيدا لأميركا يضر بالمصالح الايرانية. ولما كان الانسحاب الأميركي المريح مفيدا أميركيا فهو مؤذ ايرانيا، وهذه بعض الأسباب:
• المعضلة المطروحة حاليا، التي تشغل كل المؤسسات الأميركية، تتعلق بالدور الايراني، ليس في العراق فحسب، بل في عموم المنطقة الممتدة من أفغانستان والبحر المتوسط الى وسط أفريقيا. وأي انسحاب كبير من حيث عدد القوات من العراق، يعني ارتفاع وتيرة الحديث عن ايران، وهو أمر لا يخدم المصالح والتوجهات الايرانية، طالما غابت لغة الحوار والتفاهم، وطالما بقي كل طرف مصرا على برامجه ومواقفه ونياته.
التفرغ لإيران
• يمكن للجيش الأميركي، بعد أن يتخلص من التزاماته في العراق، تحديد استراتيجية العمل المباشر تجاه ايران، وعلى الرغم من عدم وجاهة الحديث عن أي أفكار أميركية بزج قواتها البرية في ايران، فإن تصادما بالأسلحة المباشرة يتطلب اسنادا بريا في نقاط الضعف خارج الحدود الا
يرانية. ومثل هذه المهمة يمكن أن تسند من معين الجهد الموجه في العراق. وليس من السهل أخذ تجربة حرب 1991 لجهة تأمين نصف مليون جندي أميركي، فتلك كانت حربا ساخنة فرضت في زمان ومكان حرجين، تطلبت قرارا أميركيا فصلته عن حرب فيتنام فسحة زمنية لم يعشها جيل الشباب المطلوب منه القتال.
يرانية. ومثل هذه المهمة يمكن أن تسند من معين الجهد الموجه في العراق. وليس من السهل أخذ تجربة حرب 1991 لجهة تأمين نصف مليون جندي أميركي، فتلك كانت حربا ساخنة فرضت في زمان ومكان حرجين، تطلبت قرارا أميركيا فصلته عن حرب فيتنام فسحة زمنية لم يعشها جيل الشباب المطلوب منه القتال.
• وفقا للتقييم الايراني المشاع فان الجيش الأميركي في العراق، في موضع الاستنزاف والتقييد المستمر، وتصريحات المسؤولين الايرانيين تصف الجنود الأميركيين بأسرى الأمر القائم أو انهم وقعوا في مستنقع يصعب الخروج منه، وهما حالتان مثيرتان للاهتمام يتمناهما المخططون السياسيون والعسكريون في بلد الخصم.
نقطة المعادلات
• صحيح أن مغادرة القوات الأميركية العراق تتيح لايران مجالا لاتخاذ قرارات حاسمة في تلك المساحة، الا أن تصرفا كهذا يقود الى ردود فعل خطيرة، لابد أن يحسب لها الحساب الدقيق. فالعراق نقطة حاسمة في كل المعادلات الدولية، على اقل تقدير اذا ما أخذنا في الحسبان عامل النفط.
• الاستراتيجية الايرانية ليست مبنية على المدى البعيد على أساس صراع مع أميركا تحديدا. فصراع بهذا الشكل لا تمتلك طهران مقوماته. والمشاريع الأميركية غالبا ما ترتبط بمصالح غربية تقود الى تكتل أوسع، ولا توجد ضرورة لصناعة الخصم بأي قدر كان. ويمكن وصف طبيعة الصراع القائم بما يرتبط بأهداف محددة أهمها البرنامج النووي، وهو صراع له محدودية زمنية ترتبط به معظم الأهداف والنيات على الساحتين.
• من مصلحة ايران أن ترى الاستراتيجية الأميركية قد حذفت منها فقرات شن الحرب في الاقليم، وهذا لا يتحقق بخروج أميركي مريح من العراق، أو ببقاء غير مكلف.
ماذا تريد إيران؟!
ربما تزيل المؤشرات المذكورة الحيرة، لكنها تبقي التساؤل قائما: ماذا تريد ايران؟
من مصلحة ايران، طبقا لسياستها الراهنة، أن تشعر أميركا بالحاجة اليها لحل معضلة التوتر المتزايد في الاقليم، مثل وقوع حدث هنا وآخر هناك. ومن متطلبات تأثير الحدث أن يكون له بعد مادي وعسكري وفورة اعلامية وحراك سياسي، وتسخين متزايد لأسعار النفط، وشعور اقليمي متصاعد بقدرة الوجود الايراني على الفعل. لقد دلت التصريحات الأميركية المتكررة على أن قواتها البرية في حالة انهاك حتى لو كان نسبيا. والسجال الأميركي يضيف ثقلا على المخططين والمحافظين في واشنطن. لكن المؤشرات تعطي قناعة قوية بأن فريق الحرب هو الأطول باعا في توفير عوامل اتخاذ القرار، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعاملين هما: الارهاب وأسلحة الدمار الشامل. فهذان الخطران يهددان أميركا في الصميم، أو هكذا هو الشعور السائد ونطاق فهم التهديدات. ترى هل تريد ايران أن ترى انسحابا أميركيا لا يشبه الهزيمة؟ الجواب: كلا.