اعتبر باحث ومحلل سياسي سوري أن انقلاب حزب الله الأخير في بيروت قد يكون رسالة استباقية لرئيس لبنان المرتقب، ترسم له حدود الصلاحيات الفعلية له وتُفهمه مسبقًا الأطر التي لا يحق له تجاوزها. ووصف الكاتب والأكاديمي السوري د. عبد الله تركماني في تصريح لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء ما قام به حزب الله في بيروت بأنه انقلاب مسلح على لبنان، وشدد على أن أية تسوية للأزمة في لبنان لا تأخذ بعين الاعتبار إنهاء موضوع الميليشيات المسلحة وجعل السلاح حصريًا بيد الدولة، لن تحقق الأمن والاستقرار هناك على المدى البعيد.
نهاية الطائف واقعيًا وبداية نظام غامض المعالم:
وحول توقعاته لما بعد مؤتمر الدوحة اللبناني، قال تركماني: يتعين على المراقب أن يلهث لتوقع الآتي الأعظم في استثمار الانقلاب وتحويله معادلة سياسية جديدة، إذ إنّ حزب الله وحلفاءه لن يعودوا للتسليم بالقواعد الكلاسيكية للنظام السياسي الذي حكم لبنان بعد الطائف. لقد كان ليل 8 مايو نهاية جمهورية الطائف واقعيًا وبداية شق الطريق نحو نظام آخر غامض المعالم، سيكون إيذانًا بنشوء ما يستحيل التكهن به الآن.
وأضاف تركماني: من المؤكد أنّ حزب الله يريد إخضاع اللبنانيين لوجهة نظره من الصراع العربي “الإسرائيلي”، ومن امتلاك السلاح، وحول علاقة لبنان بالمحيط العربي والمجتمع الدولي، إضافة إلى تجاوز اتفاق الطائف وإرساء صيغة جديدة تكون ناتجة عن ميزان القوى الجديد، وبذلك ستلغي المعارضة كل مفاعيل ثورة الأرز في 14 مارس 2005 وتفسح المجال عندئذ أمام انتخاب رئيس للجمهورية، ثم تكليف رئيس جديد لحكومة انتقالية تقر قانونًا جديدًا للانتخابات النيابية.
وتابع الباحث السوري: كان حريًّا بحزب الله أن يخرج من قمقمه الطائفي ويبادر إلى معادلة وطنية ديمقراطية، تطيح بالمعادلة الطائفية العائلية وأمرائها الدائمين.
وفي العودة إلى أحداث لبنان الدامية الأخيرة مرة ثانية قال: إنّ قراءة متأنية لانقلاب حزب الله تُظهر أنه خاض حربًا استباقية، أسبابها تتراوح بين أنّ الحزب كان ينتظر حربًا “إسرائيلية” عليه، وأنه لا يستطيع تحمّل وجود الحكومة الحالية برئاسة فؤاد السنيورة ممثلة للبنان في أية مفاوضات أثناء الحرب أو بعدها، أو أنّ الحزب يسعى إلى استباق انتخاب رئيس جديد للجمهورية برسم حدود الصلاحيات الفعلية للرئيس العتيد وإفهامه الأطر التي لا يحق له تجاوزها، وبالتالي الإتيان بمجلس نواب ملائم لمشروع الحزب وتطلعاته.
وأضاف: لقد أراد الحزب فرض منطقه ونهجه وسياسته وخياراته وحساباته بقوة السلاح، بعد أنّ عجز عن إقناع شركائه في لبنان بالحجة والمنطق، وحتى بالضغط السياسي.
إيران تريد تعطيل أية مفاوضات سورية ـ “إسرائيلية”:
وحول وجود بصمات لإيران أو سوريا في انقلاب حزب الله قال: يبدو أنّ الانقلاب يندرج في إطار محاولة إيران تعطيل أية مفاوضات سورية ـ “إسرائيلية” جرى الحديث عنها كثيرًا في المدة الأخيرة عبر وساطة تركيا، إذ إنّ هذه المفاوضات ستؤدي إلى إنهاء المهمة الأساسية لحزب الله وسلاحه كحزب مقاوم، ما قد يكون حمل إيران على استباق هذه الخطوة من أجل تعطيل احتمال بيع رأس الحزب، عبر فرض أمر واقع جديد بالسيطرة على القرار في لبنان. وفي هذا السياق ليس مستبعدًا احتمال مقايضة صناع القرار في سوريا ولبنان مع محور الاعتدال العربي مقابل المحكمة الدولية.
تحالف “حزب الله” مع إيران وسوريا له استحقاقاته:
وفي الواقع، يتابع الباحث السوري، لم ينشأ حزب الله ويتطور في إطار المعادلة الداخلية اللبنانية فحسب، بل نشأ وتطور في سياق تحالفه الإقليمي مع إيران وسوريا، ولهذا التحالف استحقاقاته، فإنجاز الحزب وقوته العسكرية المتطورة أصبحت جزءًا من معادلة إقليمية، فسورية توظف هذا التحالف مع الحزب وإيران من أجل تحسين شروطها التفاوضية حول استعادة الجولان ومن أجل انتزاع مكانة إقليمية، وفي الحد الأدنى تريد خروجًا من العزلة والحصار الممارس عليها من المجتمع الدولي، أما إيران فهي تضع الحزب ضمن إستراتيجيتها النووية ومكانتها الإقليمية.