بقلم: محمد أبو علان
منذ اللحظة الأولى لاندلاع مواجهات بيروت بين المولاة
بقلم: محمد أبو علان
منذ اللحظة الأولى لاندلاع مواجهات بيروت بين المولاة والمعارضة انبرت الكثير من الأقلام والأصوات الإعلامية والسياسية للربط بين هذه الأحداث وبين ما جرى في قطاع من مواجهات بين حركتي فتح وحماس والتي انتهت بسيطرة حماس على قطاع غزة من الرابع عشر من حزيران 2007، وعملية الربط هذه لم تكن منطقية ولا واقعية بأي شكل من الأشكال، وهدفت أول ما هدفت للإساءة لحزب الله بوجه خاص وللمقاومة الوطنية اللبنانية بشكل عام.
فما جرى في غزة محصلته النهائية كان صراعاً على مؤسسات سلطوية لا وجود لها على أرض الواقع، ولم توجد إلا في مخيلة المتصارعين من الطرفين، حيث تناسى الطرفان المتصارعان أن الاحتلال لا زال يتحكم بالبر والجو والبحر، وأن لا أحد يستطيع التحرك مهما علا شأنه دون موافقة الجهات الأمنية والسياسية الإسرائيلية، وتشكيل كل طرف من طرفي الصراع الفلسطيني حكومته الخاصة به أكبر دلالة على هذه النزعات تجاه السلطة وسطوتها وليس غير ذلك، بمعنى آخر لم يكن الخلاف على المشروع الوطني الفلسطيني والحرص عليه هو الدافع للصراع، ولو كان هذا لب الخلاف لما سفك الطرفان الدم الفلسطيني لدرجة فاقت وحشية الاحتلال في بعض المواقف، ولكان الحوار سيد الموقف بدل من المواجهات المُسلحة.
هذا في الوقت الذي مثلت فيه أحداث بيروت جزء من صراع طويل ومرير بين مشروعين الأول أمريكي والذي بلغت ذروته في عدوان تموز 2006 على لبنان، وهذا المشروع الأمريكي مدعوم من دول النفط العربي وتقوده على الأرض اللبنانية القيادات التي تطلق على نفسها تيار الموالاة أو الأكثرية في لبنان، ومشروع وطني مقاوم يقوده حزب الله بالتحالف مع العديد من القوى الوطنية اللبنانية منها الدرزية والمسيحية مما يلغي ويبعد ملامح الطائفية عن المقاومة الوطنية اللبنانية التي يحاول البعض تصوير هذه المقاومة بأنها شيعية بحتة، تهدف لبناء دولة حزب الله داخل الدولة اللبنانية.
ومن الشواهد التي تجعل من عملية الربط بين أحداث غزة وأحداث بيروت مسألة عبثية وغير منطقية طول النفس الذي تحلت وامتازت به القوى الوطنية اللبنانية في مواجهة خصومها السياسيين، فمنذ انسحاب قوى المعارضة من الحكومة اللبنانية منذ ما يقارب العامين لم تلجأ قوى المعارضة لغير الوسائل السلمية في التعبير عن رائيها عبر الاعتصامات والمظاهرات وإغلاق الشوارع المرافقة لحملات إعلامية ضد السنيورة ورموز المولاة في لبنان، بينما الخلافات التي كانت سائدة بين حركتي فتح وحماس رافقتها بشكل دائم المواجهات المُسلحة وسقط فيها المئات إلى انتهت إلى ما انتهت إليه في قطاع غزة.
أما المواجهات العسكرية المحدودة التي جرت في بيروت على مدار عدة أيام بين أنصار المعارضة والمولاة فكانت بمثابة العملية الجراحية المؤلمة من أجل معالجة مرض ما قبل أن يستفحل ويستقر في جسد المقاومة الوطنية اللبنانية، ألا وهو استباحة مقدرات المقاومة وأدواتها بهدف المس بقدرتها وفاعليتها في مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي في لبنان، وعبر عن أهمية وضرورة مثل هذه العملية العماد ميشل عون قائد التيار الوطني الحر عندما قال “أحداث بيروت أعادت القطار إلى سكته” .
وفي الوقت الذي تركت فيه المعارضة اللبنانية الأبواب مفتوحة أمام الحوار الوطني اللبناني، ولم تفرض أية شروط تعجيزية لبدء هذا الحوار رغم تفوقها العددي والعسكري والميداني الذي يمكنها بالسيطرة على كل لبنان لم تفعل ذلك لإدراكها عواقب مثل هذا العمل على لبنان والشعب اللبناني، في المقابل تمترست حماس في قطاع غزة خلف قوة عسكرية وقائمة طويلة من الشروط لأي حوار وطني فلسطيني بهدف تحقيق مكاسب سياسية من وراء عملية الحسم العسكري التي قامت فيها في قطاع غزة.
ومن يضع أمام ناظريه صورتين تمثلان ما جرى في غزة وما جرى في بيروت لن يجد أي من أوجه الشبه بين الصورتين، ففي بيروت لم نشهد مؤسسات السلطة تحرق وتنهب أمام عدسات التلفزة، ولم نرى عناصر الأمن اللبناني يخرجون بملابسهم الداخلية رافعي الأيدي، ولم نرى أناساً في بيروت يقتلون وهم مصلوبون على الجدران، ولا جثث تجر في الشارع العام، في الوقت التي كانت فيه هذه الأمور مناظر اعتيادية في أحداث غزة.