بقلم: د. ياسين الحاج إبراهيم
شكر خاص نرفعه إلى أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة وإلى رئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم
بقلم: د. ياسين الحاج إبراهيم
شكر خاص نرفعه إلى أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة وإلى رئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني بمناسبة نجاحهما في تحقيق الاختراق اللازم من أجل وقف الانزلاق الخطير الذي صارت إليه الأزمة السياسية في لبنان. تحركت الآلة القطرية بسرعة وتجاوب العرب معها بذكاء غير مسبوق وتداعى الفرقاء اللبنانيون أمامها كما يتداعى المريض في جلسة تنويم مغناطيسي.
والآن وبعد أن وافق قادة الفصائل، ولا نقول رؤوس الفتنة في لبنان، على التنقل إلى الدوحة حيث تجهّز لهم فندق الشيراتون ليأوي جلساتهم كما آوى قبل أيام قليلة جلسات حوار الأديان، لا يبقى لنا إلا أن نرفع طلبا ملحَّا إلى القيادة القطرية لتنهي ما بدأته بنجاح سيسجله لها التاريخ البشري لعقود طويلة، نجاح لن يجحده اللبنانيون والعرب عموما وسيخطون اسم قطر على جباههم بأحرف من ذهب.
طلب بسيط جدا نرفعه كضحايا لأزمة لبنان الذي تتداعى يوما بعد يوم، لا نريد منك يا سمو الأمير أن تضمن لنا اتفاق وإجماع الوافدين اللبنانيين إلى بلدك، لا نريد منك أن تجبرهم على الاتفاق على الخطوط الحمراء والخضراء ولا على ضرورة انتخاب رئيس جديد للبنان. لا نريد منك أن تغدق عليهم من خزينتك لتجبر أعينهم على الاستحياء، بل لا نريد منك أن تعدّل جدول أعمالك ولا حتى أن تدعو رئيس وزرائك إلى تجميد نشاطاته والإقامة داخل الفندق لترضية هؤلاء وهؤلاء. نعلم أن هذا كل هذا سهل عليك، لكننا نريد شيئا أسهل. نريد منك أن تضمن إبعادهم عن لبنان قدر المستطاع، احفر لهم قبرا أو كهفا أو ابن لهم قصورا، لكن رجاء لا تتركهم يعودون إلى لبنان. احجز جوازاتهم في المطار وقدهم مباشرة إلى مثواهم، اختر لهم أي مكان يقضون فيه بقية حياتهم، وإذا شئت فأرسل طائرة وساطة أخرى وأخيرة تحمل فيها أهاليهم ليلحقوا بهم إذا رضوا بذلك طبعا.
صدام حسين ضيع فرصة عرضتها عليه، لكن هؤلاء المفتنون قبلوا السفر إلى الدوحة فاجعلها آخر مرة يرون فيها مطار بيروت وآخر مرة يحلقون في سماء لبنان. نعلم أن مساحة بلدك لا تكفي، لكن قلبك أكبر ولا تهتم إذا كان المثوى الذي ستجهّزه لهم ضيقا، فهم قد ضيقوا على قلوبنا سنوات عديدة ولا بأس أن يرتشفوا شيئا من الزعاف الذي جرعوه لنا. وإذا رأيت أن تبني لهم جزيرة في البحر فذلك أفضل ونقترح عليك أن تعين حاكما عليها أخونا سامي الحاج، على أن يتكفل رفيقهم الجنرال ميشال عون بتفصيل بذلاتهم الجديدة.
وعندما تكمل لنا هذه المهمة النبيلة نطلب منك أن توعز لرئيس وزرائك أن يقنع نظراءه وجامعتهم العربية أن ينسوا شيئا اسمه الأزمة في لبنان أو انتخاب رئيس للبنان. اللبنانيون يا سمو الأمير لا يريدون لهم رئيسا وإلحاحات العرب عليهم طيلة الأشهر الماضية لم تكن تزيدهم إلا حرجا، لكن العرب كانوا صما وعميا ويرفضون أن يفهموا أن لبنان ليس في حاجة إلى رئيس. ألم يعش اللبنانيون ثمانية أشهر من دون رئيس، بل ألم يكونوا فعليا بلا رئيس منذ قرار التمديد للعماد إميل لحود أو لنقل منذ اغتيال رفيق الحريري؟ اللبنانيون (والعاقبة لباقي العرب) أثبتوا أنهم قادرون على العيش دون رئيس، فلماذا تصرون أنتم على أن تفرضوا عليهم رئيساً. وإذا لم تصدقوا فنظموا لهم استفتاء وسترون أنهم لم يعرفوا السعادة مثلما عرفوا طيلة شغور قصر بعبدا، وسيكونون أسعد إذا حقق لهم أمير قطر أمنية عزل الزعماء عنهم، وستكون طائرة حمد بن جاسم نسخة عصرية من سفينة نوح التي ستنقذ لبنان والعرب جميعا من فتنة أضلت كثيرا.
ولا يستغربنّ أحد إذا ما تحققت هذه الأمنية أن يكون أمير قطر الحائز القادم على جائزة نوبل للسلام، نعم، ستكون حظوظ عودة الجائزة العالمية إلى قطر بعد منع الزعماء من العودة إلى لبنان أوفر مما لو كُتب لهم الاتفاق والخروج من شيراتون الدوحة متعانقين وممتطين الطائرة القطرية إلى بيروت. نعم، اللبنانيون لا يريدون رئيسا ولا يريدون لهم زعماء بعد اليوم، وإذا احترتم في وضعهم فاجعلوا بلدهم تحت وصاية دولية أو منطقة حرة (أوفشور). اللبنانيون لن يطلبوا من العرب المستحيل، فقط أن يفتحوا لهم بلدانهم وأن يغدقوا عليهم من أموالهم وأن يعفوا سلعهم من الرسوم الجمركية (كما سبقت إلى ذلك قطر)، والباقي لن يكون إلا وجع
دماغ وفتنة في البلد. وإن لم تصدقوا فجربوا!
دماغ وفتنة في البلد. وإن لم تصدقوا فجربوا!