تصاعدت وتيرة الحديث عن حتمية زوال الكيان الإسرائيلي بعد حرب تموز التي صمد فيها حزب الله صموداً
مذهلاً بحيث يمكن اعتباره بكل المقاييس العسكرية انتصاراً ناجزاً..!
لا شك في أن باب ( الاحتمالات ) التاريخية ظلَّ مفتوحاً منذ فجر البشرية حيث اختفت دول، وكيانات، وإمبراطوريات
عديدة.. وذلك، إما من جراء الحروب والصراعات.. أو بفعل عوامل التحلل الذاتي كما حصل مع المرحوم الاتحاد السوفييتي
في الثلث الأخير من القرن الماضي.!
وهكذا، فإن نظرية زوال الكيانات والدول ليست اختراعاً عربياً أو نجادياً فارسياً مبتكراً كما يقول البعض فعدد لا بأس به
من قادة إسرائيل السابقين وبعض المفكرين اليهود عبروا عن هواجس حقيقية على هذا الصعيد..! وهي ليست تعبيراً عن
رغبات إرادوية أواستحقاقات فقهية.! لكن، الجديد في الأمر هو في:
اقتصار الحديث الدائر حالياً عن فعَّالية هذه النظرية عند هؤلاء وأولئك على ساحة واحدة، واتجاه واحد..! وعلى هذا الأساس،
تنبني يقينية الإيمانيين، عربا..ً ونجاديين، بحتمية زوال دولة إسرائيل من جغرافيا المنطقة حتى أن بعضهم وضع تواريخ محددة
وكل ذلك دون أن يتلمسوا توفر إمكانية الزوال هذه في أمكنة أخرى بالرغم مما يحدث منذ زمن طويل في غير مكان كالسودان،
واليمن، والصومال، والعراق، إلى آخر القائمة اليعربية..!
لقد واجه الكيان اللبناني على سبيل المثال احتمال زواله منذ عقدين ونيّفِ من السنين لولا توفَّر لأهله من يجمعهم في مدينة
الطائف السعودية ويعيد ( تلصيق وتلذيق ) أمراء الحرب وزعماء الطوائف بصمغ سعودي سوري أمريكي فكان
ما عرف باتفاق الطائف الذي أجلَّ ( لا أكثر ولا أقل ) مفاعيل نظرية الزوال هذه إلى زمن قادم من واقع أن اتفاق الطائف
أعاد إنتاج الكيان اللبناني على نفس قاعدة التلاشي والزوال المسماة بالديمقراطية التلفيقية ( التوافقية ) باعتبار أن أساس
هذه الديمقراطية طائفي بامتياز.!
وهكذا، لم يمض من الزمن غير القليل، حتى لزم الأمر أن يهرع الجيران مرة أخرى ليجمعوا نفس الأمراء.. والزعماء..
أو أبناءهم..! لكن، هذه المرة في مدينة الدوحة الكائنة في دولة ( كيان ) قطر بهدف انجاز عملية لصق وتلذيق جديدة
عبر اتفاق جديد يسمى اتفاق الدوحة الجامع المانع وذلك للمحافظة على بقاء الكيان اللبناني على قيد الحياة وإن في غرفة
الإنعاش ذاتها.!
إن الحالة اللبنانية هي حالة معظم الكيانات القائمة في المنطقة فجميعها كيانات مستحدثة وفق مصالح الكولونيالية الغربية..!
لذلك، أن يقتصر الحديث على حتمية اختفاء دولة إسرائيل فقط بحسب نظرية الزوال الإيمانية فإن هذا لا يعني غير الاستغراق
في الأوهام الدينية الموروثة و المعتادة بما يعني ذلك من تجاهل الدروس والعبر التي راكمها ولا يزال تاريخ الكيانات البشرية
على مرِّ الزمن…!
لا شك أبداً في إمكانية زوال دولة الكيان الإسرائيلي لكن، وحدهم الأبناء أو ربما الأحفاد الذين سيرون من سيزول أولاً من
الجغرافيا السياسية الشرق أوسطية ونقطة أول السطر…!؟