لا يوجد من يحب لبنان ولم يشعر بالارتياح لتجاوزه قطوع الفتنة الخطيرة التي واجهها البلد خلال الأيام الماضية بسبب قرار غير مدروس في أفضل وصف له .
الملفت أن هناك ثلاث أصوات علت وتيرتها ومثلت نشازاً واضحاً لا يحتمل سوى التفسير القائل أنها أصوات لجهات لا تحب الخير للبنان ولا لشعب لبنان العربي : صوت سمير جعجع قائد القوات اللبنانية وهي مليشيا سوداء عرفت بجرائمها ضد اللبنانيين من كل الطوائف إبان الحرب الأهلية وأمضى صاحبها جعجع عشرة أعوام رهين السجن لثبوت جريمة القتل بحقه وهو المعروف بسلوكه الأقرب لزعيم عصابة أو قاطع طريق . والصوت الآخر للسيد سعود الفيصل وزير خارجية السعودية الذي ربما شعر بالتصاغر للوصول لصيغة حل مقبولة عربياً ولبنانياً بدون تدخل سعودي وبعد الخروج الفضيحة للسيد خوجة وزير الخارجية السعودي من لبنان ، والصوت الثالث للناطق الرسمي باسم الحكومة الأمريكية ووزارة خارجيتها . هذا النشاز يتمثل في خلفيته رفضاً للاتفاق ومحاولة مكشوفة لوضع العصي في دواليب الحل وذلك عبر التركيز على علاقة الدولة بسلاح حزب الله كأولوية مطلقة في الوصول لأي حل للأزمة الراهنة وهم يعرفون أن هذا أمر يتقرر في المرحلة الأخيرة حين يتم البحث في الاستراتيجية الدفاعية للبنان وموقع سلاح المقاومة في هذه الاستراتيجية . إن تصريحات من نوع أن الحكومة الأمريكية غير مرتاحة لما جرى الاتفاق عليه أو تصريحات وزير الخارجية السعودي بأن الأولوية المطلقة لبحث صلة الدولة بالمجموعات المسلحة ، وتصريحات سمير جعجع بأن أي حل يجب أن يسبقه تحديد صلة الدولة والحكومة بالسلاح وتحديداً عدم بقاء سلاح حزب الله في يده تحت ذريعة عدم استخدامه في المعادلة الداخلية . إن هذه الأصوات الثلاثة تدرك سلفاً أن تحريضاً من هذا النوع قد يعرقل الحل ويخلق نوعاً من الوهم لدى البعض بشأن سلاح المقاومة الذي لا يوجد في المعارضة بكل أطيافها من يقبل المس به أو اعتباره سلاحاً ميليشياوياً يمكن انتزاعه أو الحجر عليه .
لعله من المفيد تذكير هؤلاء بأن كل قوى الرابع عشر من شباط تملك ميليشيات مسلحة ظهرت بكل وضوح أثناء عملية المقاومة الناجحة في بيروت والجبل ولو كانت هذه القوى تملك ميزاناً راجحاً لأصبح حزب الله في “خبر كان” منذ زمن ، ولن ينجح هؤلاء في تسويق مخططاتهم الطائفية من هذا الباب فالأمر أصبح مكشوفاً ولم تعد كل الدعايات الصفراء قادرة على حجب حقيقة ما جرى .
انه من الضروري التأكيد على حماية ظهر المقاومة في مواجهة عدو مدعوم كلياً من الإدارة الأمريكية التي لا يتورع رئيسها عن حضور احتفالات ذكرى النكبة بفلسطين دون حياء ودون خشية من مجرد احتجاج شكلي على هذا الاستفزاز وهذه الإهانة ، ولولا عملية المعارضة في بيروت والجبل لكنا لاحقاً أمام انكشاف خطير لظهر المقاومة في أقرب الآجال .
لقد سعدنا جميعاً بما توصلت إليه اللجنة العربية من حل لا غالب فيه ولا مغلوب وهو حل يعيد التوازن للبلد ويحفظ كرامات الجميع، كما ويفتح الطريق أمام اتفاق تاريخي يعيد إلى لبنان ألقه السابق ومركزه العربي المتقدم في مواجهة العدو ومخططاته ، ولذلك يتمنى كل مواطن لبناني وعربي أن تصمت هذه الأصوات لأنها فعلاً أصوات نشاز ولا مكان لها من الإعراب .
زياد ابوشاويش