في البرنامج الشهير “الاتجاه المعاكس” الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية يوم الثلاثاء الماضي والذي جاء تحت عنوان “الاحتفال في تل أبيب بالذكرى أل60 لقيام “إسرائيل” أليس التبشير بزوال الدولة العبرية ضربا من الأحلام ؟ أم أن” إسرائيل” تدخل عامها أل60 واهنة مريضة ؟
بداية أقول أن البرنامج جاء وبدون شك ليروّج لثقافة انهزامية واستسلامية عبر خطاب ضيفه أنور مالك الذي كان يرشح منه الضعف والهوان والرضا بالأمر الواقع ، فهذا المدعو لا يرى بأي حال من الأحوال أي إمكانية لزوال الاحتلال ولا يثق بأحد ولا بالمقاومة ولا بشيء ، فهذا” البعبع المسمى إسرائيل” من المستحيل أن يزيله أو يهزمه أحد فاكتفى مالك هذا بإدانته الشجاعة لما تقترفه “إسرائيل” بحق الفلسطينيين والعرب ، إدانته التي ستحرر لنا فلسطين والعراق وكل شبر محتل من الأرض العربية .
الموضوع برأيي المتواضع قد لا تتم معالجته بهذه الطريقة بزوال أو بقاء ولكن دائما هناك احتلال يقابله مقاومة هذا منطق الأشياء ، احتلال يستبيح ويقتل ويهجر ومقاومة تدافع عن الأوطان والشعوب والحضارة الإنسانية .
هذا المريض النفسي الذي يهزأ من المقاومة ولا يثق بها هو شخص غير خلوق ، فذهاب الأخلاق هنا لايعني ذهاب اللياقة والدماثة ولطافة السلوك والمعشر ، بل هي ذهاب معنى الأمة والحرص على سلامتها والدفاع عنها وحماية أرضها ومشروعها المقاوم ورفعة شأنها والتمسك بثوابتها وانتصار إرادتها الحرة لأن الذي ينكر المقاومة كناكر الجميل وخائن الأمانة 0
إن الذي ينكر انتصارات ومنجزات المقاومة ، يعترف بقوة العدو ومشروعية الاحتلال ، أليس انتصاراً ما حققته المقاومة اللبنانية في أيار 2000 وتموز 2006 وماذا نسمي هزيمة الصهاينة وفرارهم من قطاع غزة تحت وطأة ضربات المقاومة وصواريخها ، ثم ماذا عن المقاومة العراقية ، انظروا ماذا فعلت بأميركا ، لقد أوقفت المقاومة العراقية مشروع ما يسمى الشرق الأوسط الجديد ، لقد صنع المقاومون العراقيون في السنوات الخمس الماضية ملحمة كفاحية قل نظيرها وخلقوا من ذلك الظروف الموضوعية لهزيمة المحتل الأمريكي ولإسقاط نظام القطب الواحد الذي أسسه ، ناهيك عن انعكاسات نجاحات المقاومة العراقية والحرب على العراق بالتأثير على الداخل الأمريكي حيث الركود الاقتصادي ، الاقتطاعات الضريبية المتزايدة ، العجز في الميزانية ، الغلاء ، أزمة الرهن العقاري ، فضائح أخلاقية كالتنصت والتعذيب ، و30000 جريح وأكثر من 4000 قتيل أمريكي 0
هنا لا بد أن نذكر أيضاً على ثقافة المقاومة وأن المقاومة هي ثقافة وليست فقط حمل السلاح والقتال وإن كان السلاح رأس سنامها ، المقاومة هي الموقف السياسي والبيان والمظاهرة والمقال والقصيدة ولو اختصرت على حمل السلاح لكانت قاطعة طريق 0
نحن نؤمن أن المقاومة وحدها هي القادرة على التحرير وإزالة الاحتلال وهذا ليس حلما بل هو عين الحقيقة بالمقابل وبالنسبة للضيف الآخر وهو الدكتور إبراهيم علوش لا شك أنه كان يمثل طرف الأمة ومشروعها المقاوم ونحن نرى أنفسنا من خلاله ، لكن كان يجب عليه ألا يشارك في هذا البرنامج أو هذه الحلقة تحديداً لأن :
أولاً : الدكتور فيصل القاسم في تقديري الشخصي لم يحترم آداب الحوار ، إذ استمر في مقاطعة ضيفه في الأستوديو بالمقابل لم يقاطع ضيفه الآخر في باريس أضف لذلك أنه لم يمنح الدكتور علوش الوقت الكافي للدفاع عن وجهة نظر الأمة وآراء الغالبية العظمى في الشارع العربي 0
ثانيا : أن موضوع الحلقة كان فضفاضاً ولا يمكن أن تتم معالجته في 50 دقيقة ، لم تقسم بالعدل والتساوي هذا من جهة ومن جهة أخرى وضمن معادلة المعالجة والحوار نحن تعودنا على الدكتور علوش في طرح قضايا أكثر دقة وتخصصاً وكان يبدع في ذلك وأرجو أن لا يفهم من كلامي أن الدكتور علوش بدأ وكأنه ضعيف ، فمن يدافع عن المقاومة والعروبة وقضايا الأمة ليس ضعيفاً ولو كان لوحده 0
ثالثاً : الضيف الآخر المدعو أنور مالك والذي يروج للهزيمة ويحبط الناس ، مع الأسف ( بدأ وكأنه أكثر انسجاماً وواقعية ) على الأقل في نظر فئة ليست بقليلة من الشارع العربي لا سيما في برنامج يخاطب وموجه لشرائح شعبية عادية إذا ما استثنينا النخب ، وهذا بحد ذاته يؤثر ويضعف معنويات الناس ، فأنور مالك لم يظهر عميلاً بالشكل الكافي والمطلوب وهنا المشكل