على الرغم مما تفرضه طبيعة الاحتفال بالذكري الـ٦٠ لتأسيس “دولة “إسرائيل”” من شعور بالسعادة بين أوساط مواطنيها، فإن الاحتفال جاء في أجواء مغايرة، إذ تسود بين ال”إسرائيل”يين لهجة تتسم بالتشاؤم حول المستقبل، كما تتزايد الدراسات والتقارير والمقالات التي تتحدث عن قرب انتهاء “دولة “إسرائيل”.
فبغض النظر عن تصريحات الأمين العام لحزب الله حول زوال “إسرائيل” بفعل قتلها القائد العسكري للحزب عماد مغنية، ورأي الأستاذ محمد حسنين هيكل أن “إسرائيل” لا تحتمل هزيمة واحدة ـ تلقتها باعترافها في حرب لبنان ـ إلا أن الأخطر هو أن الإسرائيليين أنفسهم بدأوا يرصدون مظاهر نهاية دولتهم.
ولعل المقوم الأبرز لانهيار الدولة، هو تراجع الانتماء بين الإسرائيليين، حيث أعرب ٢٢% فقط من الإسرائيليين عن إصرارهم علي البقاء في تل أبيب، بينما أعرب البقية عن استعدادهم لمغادرة الدولة العبرية، إذا ما وجدوا فرصا أفضل للعيش، ويتفق ذلك مع الإحصاءات التي كشفت عن أن ٩٦% من الإسرائيليين لا يشعرون بالأمان في “إسرائيل”، وهي نسبة غريبة في ظل تمتع “إسرائيل” بالقوة العسكرية الأولي في المنطقة.
كما يثار في “إسرائيل” حاليا الحديث حول عنصرية الدولة وتأثيرها في بقائها، لاسيما أن مليون إسرائيلي يبقون بعيدا عن تأثير الدولة المباشر، ويشكل هؤلاء اليهود السوفيت الذين يرفضون التخلي عن لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم الروسية، ويبقون «جيتو» كبير داخل الدولة، وهو ما يؤثر علي اندماج الدولة الداخلي، حت ى إن بعض هؤلاء الروس يبقون علي مسيحيتهم ويزورون الكنائس الأرثوذكسية في “إسرائيل” وهو ما يؤثر علي يهودية الدولة.
كما أن الإسرائيليين يختلفون في توجهاتهم بشكل صارخ، ولعل ذلك هو ما يوضحه اتجاه أحزاب تحظي بشعبية معقولة ـ مثل شاس و”إسرائيل” بيتنا ـ للدعوة إلي إبادة الفلسطينيين بينما يطالب حزب مثل ميريتس بإبرام اتفاقيات سلام معهم.
كما تعاني “إسرائيل” أيضا من تراجع واضح في معدلات الإنجاب بين اليهود، حيث تقل معدلات الإنجاب بين اليهود الأرثوذكس والسفرديم والأشكيناز عن ١.٢%، بينما تبلغ ٣ ـ ٤% بين عرب ٤٨، وهو ما يبرز للعلن تحذيرات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الذي كان يحذر باستمرار من القنبلة الديموجرافية التي تهدد دولة “إسرائيل”.
ويتزامن ذلك مع حقيقة أن “إسرائيل” بدأت تشهد ـ ومنذ الانتفاضة الثانية ـ معدلات هجرة متدنية للغاية، حتى إنها شهدت خلال السنوات الـ ٣ الماضية معدلات هجرة سلبية بمعني أن عدد القادمين إليها أقل من المغادرين منها، وهو ما يزيد من أزمة هوية الدولة، حيث إن أغلبية المهاجرين إلي خارج الدولة من ذوي الكفاءة من اليهود بينما أغلبية المهاجرين إليها من الفلاشا أو غيرهم من اليهود المجنسين الذين بدأوا يتميزون بوضوح عن الهوية الدينية اليهودية للدولة.
وتبرز هنا حقيقة تحّول العديد من الظواهر المؤثرة علي استقرار الدولة إلي ظواهر مقبولة اجتماعياً، إذ أصبحت ظاهرة التهرب من الجيش من الظواهر المقبولة في المجتمع ال”إسرائيل”ي، ويشير المسيري أيضا إلي أن “إسرائيل” بدأت تواجه أزمة في القيادة ستظهر خلال السنوات القليلة القادمة، حيث اتسمت قيادات “إسرائيل” بدرجة كبيرة من القوة والصرامة، وهو ما تناقص تدريجيا في قيادات الجيل التالي حت ى بلغ الجيل الحالي الذي يوصف العديد من قياداته بالفشل،
ولاسيما رئيس الوزراء الحالي أيهود أولمرت، فضلا عما يؤكده الإسرائيليون حول تردي القيادات السياسية الوسطي والشابة مقارنة بسابقتها. ولعل أزمة القيادة الحالية تؤكد ما قاله العديد من المحللين السياسيين حول أن شارون كان آخر قائد سياسي وعسكري محنك ل”إسرائيل”، وأنه من غير المرجح أن تجد تل أبيب من يخلفه عل ى المد ى المنظور عل ى الأقل.
ويرتبط تدهور القيادات السياسية بحقيقة تزايد قضايا الفساد بين الساسة الإسرائيليين بشكل غير مسبوق، ف”إسرائيل” تعاني الأمرين لمجرد مكافحتها صواريخ القسام، حت ى إن الكثير من المحللين العسكريين الإسرائيليين يؤكدون أنه لا يوجد حل لمواجهة تلك الصواريخ إلا بالتوصل إلي اتفاق مع حماس، في لهجة جديدة علي المفكرين الإسرائيليين الذين طالما أكدوا أن التفاوض مع «الإرهاب» (حماس) مرفوض، وبغض النظر عما إذا كانت كل مظاهر الوهن والتمزق الداخلي في ”
إسرائيل” ستؤدي في النهاية إل ى تفتت “إسرائيل” أم لا، فإن المؤكد ما قاله مفكر “إسرائيل”ي حول أنه ورث عن والده دولة قوية وقادرة، غير أنه سيمنح ولده «علامة استفهام كبيرة».
إسرائيل” ستؤدي في النهاية إل ى تفتت “إسرائيل” أم لا، فإن المؤكد ما قاله مفكر “إسرائيل”ي حول أنه ورث عن والده دولة قوية وقادرة، غير أنه سيمنح ولده «علامة استفهام كبيرة».