سنوات ستون تعاقبت على تهجير الفلسطينيين من قراهم ومدنهم على أرض فلسطين إلى مخيمات اللجوء في الدول المجاورة، وإلى بلدان الشتات في بقاع العالم كافة.
سنوات ستون انتقلت فيها المخيمات من صفة “الطارئة” إلى صفة “الدائمة حتى أجل غير مسمى”.
كثيرون باتوا يرصدون تغيرات كبيرة طرأت على المخيمات، ليس من حيث المساحة وتحول الخيام إلى غرف مسقوفة بصفائح “زينكو” فحسب، بل من حيث سيكولوجية ابن المخيم ودرجة تعليمه وثقافته واستقامته.
آخرون يرون أن ابن المخيم كان وما يزال ضحية احتلال حرمه من أن يكون كباقي شعوب الأرض، لتتكالب عليه ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية أخرى أسهمت في تراجع صورته التي ارتبطت في مطلع النكبة بأسماء مفكرين وأدباء وفنانين ومناضلين.
ماذا يقول ابن المخيم عن هذه الصورة السلبية المرسومة عنه؟ هل يقر بوجودها أم ينكرها؟ وإن كان يؤيد وجودها، فما الأسباب التي تقف وراء هذا التراجع؟
تستذكر الحاجة التسعينية فاطمة محمد ابن المخيم قبل ستين عاما، قائلة “برغم إنه قبل ستين سنة كان ابن المخيم هو ابن النكبة اللي عاشها وشاف مآسيها، إلا إنه المأساة خلّته إنسانا مسؤولا وواعيا بعكس ابن المخيم هالأيام”.
تضيف الحاجة فاطمة “كمان الظروف الاقتصادية لعبت دور كبير، ما كانت المعيشة غالية مثل اليوم، كان الدخل البسيط يكفي الأسرة وزيادة. اليوم الشغل قليل والحياة غالية كثير، الناس المقتدرين بشكوا كيف أهل المخيم؟”.
ذات العوامل تشير إليها الحاجة آمنة تفّال (57 عاما)، قائلة “طبعا ابن المخيم تغير كثير، الجيل القديم من أبناء المخيم كان مسكونا بالحزن والتصميم على تعديل الوضع. اليوم في بطالة كثير في المخيم، شباب فاضية ومافي إشي يلتهوا فيه، عشان هيك بلتهوا بالانحراف: دخان وحبوب وزعرنة”.
يبتسم محمد داوود (65 عاما) بمرارة بينما يتذكر أيام المخيم قديما، يقول “كان الواحد فينا يتردد مليون مرة قبل ما يطلب من أهله طلب، كان الحزن بداخلنا شديد رغم صغر عمرنا، كنا كلنا متوجهين للتعليم أو للشغل. الجرح كان لسّه حامي، اليوم الجيل كله خرب مش بس ابن المخيم”.
من جهته، يقول طلعت العبسي (37 عاما) عن صورة ابن المخيم التي تغيرت “الصحافة تضخم من مشاكل ابن المخيم الأخلاقية، بينما تغض النظر عن انحرافات الشباب في باقي المناطق. وكذلك لا تتطرق الصحافة للأسباب التي أدت إلى هذه الانحرافات ومنها نقص الخدمات من ماء وكهرباء وصرف صحي وبطالة”.
فيما يقول الحاج عبد الكريم الوحيدي (69 عاما) “المخيم مجتمع مثل أي مجتمع في الدنيا، فيه المنيح وفيه العاطل، مع إنه المخيم فيه عوامل وظروف صعبة أكثر مثل أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية التعبانة، وبالتالي نسبة الانحراف فيه أكيد أعلى”.
بينما تضيف الحاجة أم أمين (70 عاما) إلى هذه العوامل آخر يتعلق بنوعية التربية التي ترى أنها تراجعت كثيرا، إذ تقول “كنا نعرف نربي زمان، كنا نربي على التقاليد ومخافة الله وكنا قاسيين في تربيتنا. اليوم النسوان في المخيم وغيره ما عادوا يعرفوا يربوا صح”.
السيدة الخمسينية أم مازن، والتي قطنت مخيم عين الحلوة في لبنان لسنوات طوال، تقول “المخيم سجن كبير. شباب بالمئات قاعدين بدون تعليم أو عمل وفي ظروف أبسط ما توصف به إنها غير قابلة لمعيشة البشر. بيوت في مخيمات لبنان ما بتنطفي مصابيحها طول النهار والليل لأنها مظلمة وما بتوصلها الشمس. والدخلات بين البيوت في المخيم لا تصلح لمرور غير شخص واحد. مافي مقابر كافية للأموات. الانحرافات والجرائم منتشرة بشكل لا يصدق، مخانقات شباب المخيم بالأسلحة مش بالحكي ولا حتى بالضرب”.
تطرح سميحة صالح (56 عاما) ذات الفكرة التي تطرقت إليها أم مازن، قائلة “القط
ة لو انحبست أسبوع بصيبها استشراس، كيف البشر اللي إلهم في المخيمات ستين سنة؟ حتى لو سمح إلهم يطلعوا من المخيم إمكانياتهم ما بتسمح. وبالتالي تعاملهم وزواجهم واختلاطهم كله بينهم وبين بعض طوال السنين”.
ة لو انحبست أسبوع بصيبها استشراس، كيف البشر اللي إلهم في المخيمات ستين سنة؟ حتى لو سمح إلهم يطلعوا من المخيم إمكانياتهم ما بتسمح. وبالتالي تعاملهم وزواجهم واختلاطهم كله بينهم وبين بعض طوال السنين”.
بجانب جدار في مخيم البقعة كُتب عليه عبارة “الغد لمن يراه”، يقف عبد الجابر ياغي (22 عاما) مع أقرانه، بينما يعلق على قضية ابن المخيم وصورته ما بين الأمس واليوم قائلا “الانحرافات موجودة، والزعران موجودين، اللي بنحكى عن المخيم صحيح. فيه كثير ظواهر خطيرة بسبب عدة عوامل منها ضعف التربية بالإضافة للظروف الاقتصادية الصعبة والبطالة والجهل”.
فيما يعلق أحدهم بينما هو ماض في طريقه “أهل المخيم بخلّفوا وبزتّوا للشارع”.
من جهته، يمتعض نبيل موسى (27 عاما) من طرح كالآنف، معللا “من المخزي أن نتحدث بهذه اللهجة التهكمية عن أهالي المخيمات، إذ لا بد أن نقر بوجود ظواهر سلبية وانحرافات كثيرة فيها ولكن من دون أن نغفل السبب الأول وهو احتلال فلسطين واضطرارنا السكن في المخيمات طوال الستين عاما الماضية. ماذا نتوقع من المخيمات وحتى أرضنا المحتلة بعد تلك العقود الستة من الدك المستمر والفقر والبطالة واليأس والاحباط؟”.
هذا ويعرّف القانون الدولي اللاجئ بـ “الشخص الذي يقيم خارج وطنه بسبب اضطهاد تعرض له بسبب جنسه أو دينه أو لونه”.
وكانت وكالة الغوث “الأونروا” قد عرّفت اللاجئ الفلسطيني بذلك الذي “كان يقيم في فلسطين خلال الفترة من 1 حزيران (يونيو) 1946 حتى 15 أيار (مايو) 1948. والذي فقد بيته ومصدر رزقه جراء حرب 1948 ولجأ إلى احدى الدول حيث تقدم الأونروا مساعدتها، ويشتمل هذا التعريف على تقديم المساعدة لأولاد وأحفاد اللاجئين”.
ومن خلال التعريف الآنف يرى محللون أن (الأونروا) استثنت من مسؤوليتها أولئك الفلسطينيين الذين لجؤوا إلى الخليج العربي أو افريقيا أو داخل المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل، لكونها مناطق غير مشمولة بخدماتها.
كذلك لم يتضمن تعريف (الأونروا) للاجئ الفلسطيني ذلك الذي كان خارج فلسطين للدراسة أو العمل أو العلاج عندما اندلعت حرب 1948 وعندما منعهم اليهود من الدخول حينها، وكذلك الذين لم يبادروا لتسجيل أنفسهم كلاجئين.
ويعرّف الفلسطينيون اللاجئ بأنه ذلك “الذي طُرد من أرضه أو أجبر على الرحيل عنها خلال الفترة الواقعة بين تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 وبين التوقيع على اتفاقية رودس عام 1949 في الأراضي التي سيطرت عليها المنظمات الصهيونية حتى التاريخ الأخير. ويشمل هذا التعريف كل من وُلد لأب عربي فلسطيني بعد هذا التاريخ داخل فلسطين أو خارجها، إذ هو لاجئ ومن حقه العودة إلى أرض آبائه وأجداده”.