في اليمن صحافة لايكمن بأي حال ان يطلق عليها صحافة بالمعنى المهني لأنها ليست عند مستوى التسمية ،فهي صاحاف محكومة بالواقع ومغموسة بتخلفه وكل تجلياته التي لايمكن ان تنفك عنه.
إن واقع الصحافة في أي بلد لا ينفصل عن الواقع السياسي لهذا لبلد فلا يمكن الحديث عن صحافة حرة أو إعلام حر أو حرية تعبير في بلد مازال محكوماً بعقلية الفرد وعرف القبيلة ووصاية الحزب على المجتمع ومحكوماً بقوانين الطوارئ والأحكام الاستثنائية.. وخطاب سياسي متشنج يعادي الصحافة والصحافيين ، و أي تطوير للخطاب الإعلامي لا يتم إلا بتطوير الخطاب السياسي وإحداث تغييرات جوهرية في طبيعة النظام السياسي، إن غياب الإعلام والصحافة الحقيقية الحرة في اليمن يعود إلى أن الحزب ربط كل منابر الرأي والتعبير بأهدافه وتوجهاته .
ومن ثم تحولت الصحافة اليمنية إلى منابر لؤد الوعي وتجميد العقول وسد مسامات الانفتاح القادر على تجاوز رتابة الواقع وتشضياته الصارخة بالتخلف والمحكومة بجدلية التلبع والمتبوع ،فالصحافة الحزبية ..صحافة لايمكن ان ترتقي الى مستوى التسمية لأنها صحافة توجه بمزاج حزبي وتنشر موادها بعد عرضها على رئيس الحزب .
وبين ضبابية التناول وخوف الجراة تماهت خطوط الفهم وتلاشت بودار الوعيو اضحى الانسان اليمني مرتبكا في اداءه وسلوكه والديمقراطي و السياسي والحياتي ،وهو ما فوت الكثير من فرص التقدم باتجاه تغير الواقع اليمني وجعل السلوك وئيدا او مؤودا بفعل تغييب الحقائق ،فرؤساء تحرير الصحف اليمنية وعدد من الصحافيين تحولوا إلى سماسرة يعقدون الصفقات بين المسؤولين ورجال الأعمال والتجار، نظراً لوجودهم في المكاتب الصحفية للوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى، وحيث العمل في هذه المكاتب ذو مردودية عالية في السمسرة وتدبيج المقالات المدافعة عن هذه المؤسسات في وجه مغرض أو حسود، والتي تصرف لها المكآفأت والهبات والمنح، ويمكن إطلاق أي صفة على هؤلاء إلا صفة الصحفيين.
أما عندما يريد أن يسجل أحد الصحفيين سبقاً صحفياً في النقد البنّاء بعد أن تم تقسيم النقد إلى بنّاء وسلبي أو هدّام فإنه يبدأ مقالته بالإطناب والمديح والإسهاب في تعداد المنجزات التي حققها المسؤول الذي يريد أن يمارس النقد البناء عليه قبل أن يصل إلى بيت القصيد الذي غالباَ ما يرد على شكل عتاب من أخ صغير ليس أكثر أضف إلى ذلك أن هناك الكثيرين من أصحاب النفوذ لا يجرؤ أي صحفي على انتقادهم.
فهؤلاء الذين يطلق عليهم رؤساء تحرير وخصوا منهم الجدد ليسوا إلا أدوات بيد الأجهزة الأمنية او القيادات الحزبية ،وتلك الاجتماعات التي يعقدونها ويناقشون فيها مواد ومضامين ما سيقدمونه ليست الا اجتماعات وهمية ،او محاولات نفسيه لتعويض مرض نقص الشعور بالحرية وحق امتلاك القرار
ولا عجب أن يطرد صحفي حر من عمله لأنه انتقد شيخا متخلفا او رمزا سياديا الصحفي إلى خادم مطيع ، يؤمر فيرضخ ، ويطالب فيطيع .. وينافق ولا يصدق .. ويغير رأيه حسب أوامر رؤسائه وخططهم الإعلامية غير الموجودة أساسا .
لكنك حين تكتشف أن فساد المعارضة والسلطة متواطئان موضوعيا على تأبيد الخلل الموجود تصاب بالدهشة، فتلك الصحف التي تدعي الاستقلالية مدفوعة الثمن ،تروج لمفاهيم خاوية المضمون ،ونظم حكم منزوعة الجوهر وتتواطأ معه لشرعنه الفساد وبقاء النظام بصيغ أخرى ،بل وتوريثه في قادمات الأيام. من خلال تهيئة الرأي العام وتلك الصيغ الدستورية المزورة.
وفي الوقت ذاته ،تتجه نحو صناعة ونحت رموز لم تعد صالحة لقيادة المجتمع ،وتكرس لها في الذهنية العامة وجودا أسطوريا ،وترد للموتى الذين أماتوا عصب التغيير والمقاومة في المجتمع الجميل، بإعادة إنتاجهم عبر أبنائهم الذين لايقلون سوء عن سابقيهم ،وإن بدو انهم ظاهريا أفضل ،لكن الممارسة تفضحهم،والمواقف تعريهم.
لم أبحث كصحفي عن صحيفة يمنية تمكن لي الكتابة فيها ،أو أحصل منها على بدل إنتاج تافه لايسد قيمة نعل قدم، أو قرصة بطن في ليلة ممطرة باردة، فمادمت تحترم قلمك وتناز الى المواطن العادي وتؤمن بحقك في إبداء رأيك بحرية كحق إنساني وديني ودستوري فإنك ستجد ذاتك غير مستقر ،بل لاوطن لك ،وكونك لاتتشبث بنافذين فلن ينفذ إليك أمل تكوين مشروع إعلامي حر ومستقل يؤدي رسالته من أجل الشعب ويعمل بمهنية عالية ورؤى حقيقية واعية ،ولذلك تتجه نحو الفضاء الالكتروني المفتوح على مصراعيه ،وصحافة الانترنت الأكثر اتساعا وتنمية لمواهب التفكير والكتابة السليمة ،والاختلاف المولد لثقافة التغيير الواعي المبني على الاختلاف البناء الواسع.
وكصحفي لاتتلائم مع مزاج ومخاتلة رئيس تحرير الصحيفة التي تعمل فيها ستجد ذاتك متنازعا مع حرية الكلمة ومجاراة مزاج رئيس التحرير ،لكنك حين تستمع الى صوت الضمير الواخز باتجاه الحق والحرية والانحياز الى الشعب ومصداقية الكلمة ،وهو ما سيجعلك مطرودا منها تحت مبررات
يخترعها اومضايقات يمارسها رئيس التحرير ضدكز ستجوع
يخترعها اومضايقات يمارسها رئيس التحرير ضدكز ستجوع
نقابة الصحافيين غير مستعدة لأن تدافع عنك ،ولكنها مستعدة فقط لأن تتجاهل قضيتك في أقل الأحوال ،لأنها خليط حزبي عصبوي مؤدلج بفكر الكراهية والنبذ الفارز، ومزودة بمناطقية الموقف العصبي الضيق، ولا يهمها حرية لأنها تؤدي أدوار حزبية وعصبية .
الوطن،والإنسان وحريته وكرامته مفرغة تماما من الذهنية اليمنية ونخبها وتشكيلاتها الفاعلة ، قتلها الفساد وزواها في أطر عصبوية تلبس أحيانا طابعا مناطقيا ،ولذلك ضمر الشعور بالوطن والإنسان وحريته وكرامته وقيم الاختلاف البناء ،وتضخمت لغة التمايز وسلوكياته فأضحى الوطن أوطان.
————————-
*كاتب وصحفي يمني