لبيك يا وطني .. نداء العاشقين في يوم الغربة وليلها الطويل ، تتسمر العيون فوق جدار يحمل خارطة الوطن ، وينادي وجيب القلب : يا بلادي كم طال الفراق فارفقي بنا ، نحن لا زلنا
على العهد أيتها الحبيبة وفي سبيلك تهون مصارع الرجال واهراق الدماء . يا وطني الحزين منذ نكبنا بفراقك والله ما سلوناك ، ويشهد على ذلك اشراقة الشمس في كل صباح حيث نرسل مع أولى نسماته عهد العودة ونعيد رسم الخارطة برموش عيوننا . يا وطناً شهد زحف أبنائه فوق بيداء الغربة والتشرد كم نناديك وفي قلوبنا تسكن أوجاع الصب المتيم .
ماذا أبقى لنا من الصبر هذا الزمن الغريب والظلم يلاحقنا بعد أن بلغنا الستين ؟ ولازال في جعبة الدهر ما يصيبنا به لكنك تبقى أفق المستقبل مهما تكالبت فوقنا الجراح .
فلسطين .. هذا الاسم المقدس يحمل ملامح السيد المسيح وقسمات النبي محمد ويحمل أيضاً أوجاع أيوب ويمنحنا صبره . هذه الأيقونة نضعها كل مساء بين عيوننا نملأ من أريجها صدورنا حباً يعطر كل أرجاء الدنيا ويعطيها معنى الحياة والأمل .
قبضنا على ترابك يا وطني بمهج القلوب ووضعناك تاجاً يزين عرش الزمن واحتسبناك ترياق كرامتنا تعيد للتاريخ وجه القمر وتعدل قبة الصخرة بعد أن دنسها الغزاة .
فلسطين .. يا وطن الأنبياء والرسل المخلدون ألم يأتيك نبأ الزاحفين على قلوبهم صوب القيامة والمهد يرسمون بشلال عطرهم النازف معجزة الموت والبعث ، ويعيدون الحياة لليلة الإسراء والمعراج ، لتقام على بطاح القدس وبيت لحم وغزة والكرمل ويافا ونابلس وفي كل بقعة من بقاعك أعراس الفوز ويزينون السماء بآلاف الأقمار والنجوم ؟ .
لكل الدنيا مدخل واحد وكذلك مخرج واحد إلا أنت يا وطني فلك ألف مدخل ونعجز عنها ،نطرق بابك منذ احتلك الغاصبون فتأبى علينا الدخول وتصدنا كأننا من العصاة وأنت تعلم كم نحب التوحد فيك . يشذ بعضنا أيها الغالي فيولي وجهه شطر الغروب فلا يرى سوى ليل الضياع.. ونسامح .
يتعثر بعض أبنائك وتختلط عليه الرؤية فلا تلوم ولا تحزن فلا زال الجمع يحفظ سكة العودة وطريق الخلاص . يشتد الألم في طريق يمتد آلاف الأميال ويترنح السائرون صوب الشمس فتقيل عثراتهم وتمسح عن وجوههم دموع القهر والهوان وتعطيهم بندقية .
يقولون فراقنا عنك نكبة فهل صدق التوصيف وقد طال الزمن واشتد الحنين؟ وماذا لو خذلك الأقربون ونكث بعهدك الناكثون ؟ ترى ماذا يبقى لنا لو سقط الحلم وضاع في ثنايا التعاريف والمسميات ؟ لماذا لا نعيد رسم خارطة الوطن كما يجب أن تكون ؟ لماذا لا نسأل أنفسنا عن سر بقاء الليل لأكثر من 24 ساعة في كل يوم ؟ ولماذا لا نشد خيوط الشمس بأيدينا إن كنا نحب الفجر القادم من ربوع فلسطين ؟ لماذا لا نبقي شمس الغروب واقفة في الأفق تدفيء شواطئنا التي حلمت بأطفال يلعبون فوق رمالها وتعرف بصمة أرجلهم ونبض قلوبهم ؟ .
هل حقاً مضى ستون عاماً على الرحيل ؟…. بلى ونعمل أن لا تطوى ستون أخرى .
في هذا اليوم الحزين 15 مايو(أيار) من كل عام نقف لنذكَر الدنيا وأنفسنا بالنكبة ثم يطوي الزمن سنة أخرى ونعيد الكرة كما نعيد العهد على أنفسنا بان نعمل كل ما بوسعنا من أجل تقريب يوم الخلاص وهكذا دواليك … وفي كل عام يتقلص العهد كأن حقنا يعتريه التغيير بفعل التقادم ، فيصبح حق العودة لأرضنا قابلاً للمساومة ، فهل يساوم المرء على بيع قلبه ؟ . ويصبح الاغتصاب والقتل واقتلاع شعبنا من وطنه جريمة يملك القانون تسويغها لتتحول إلى جنحة ويصبح فيها الصلح سيد الأحكام . إذن هي ارباكات التقدم في العمر وضعف الحواس والا فبم نسمي تزوير الواقع والوقائع وإعطاءها أوصاف وأسماء غير أوصافها وأسماءها ؟ .
ربما يطول الزمن على الظلم ويطال التغيير كل شيء لكنه أبداً لا يمكن أن يعطي للأوطان خلاف أسماءها ولا يمكن أن يعطي للأمم والشعوب خلاف ملامحها .
نتحايل على الواقع ؟ نعم … نكظم الغيظ فنصمت عن هرطقات البعض وخرفهم ؟ نعم … نبدي مرونة حين تكون ضرورية وننحني
للعاصفة إن اضطررنا ؟ نعم … نلملم جروحنا ونداري خيباتنا بالتكاذب تارة والمزايدة أخرى ؟ نعم … لكننا أبداً لا نملك حق تغيير أسماء مدننا وقرانا أو حدود بلدنا ولا من حقنا أن نقبل وضع إطار آخر لهويتنا ونكبتنا ناهيك عن مساحة الوطن وملامحه .
نحن اليوم أمام احتلال واقتلاع لشعبنا طال أمده وتمنى صانعوه ومارسوا كل شيء وكل فعل يؤبد هذا الاقتلاع وهذا الاحتلال ففشلوا . لكن في المقابل هل نجحنا في إعادة ما اغتصب ؟ وهل عاد شعبنا لوطنه السليب ؟ ربما يقول أحدهم إن كان العدو قد فشل فهذا يعني منطقياً أننا نجحنا . وهنا مكمن الخطأ والخطر . نحن لم ننجح بل بالكاد صمدنا وبلورنا هويتنا وانهينا الاقتلاع المعنوي وأعدنا ملامح الوطن إلى ما كان عليه ولم نعد نخشى من فقدانه لأجيال . لكن رغم هذا لازلنا شعب مشتت ولاجىء ، وفي أحسن الأحوال مواطن من الدرجة الثالثة فوق أرضنا وفي مدننا وقرانا .
كيف السبيل إلى تحويل النكبة والمنكوبين إلى العرس الذي تخيلناه قبل قليل في مطلع مقالنا هذا ؟
قد نكتب في ذلك معلقات وربما تملأ البحوث كل مساحة الكون في البحث عن سبيل الخلاص وإنهاء النكبة ،ذلك أن فلسطين هي حقاً بحجم الدنيا والسماء كلها وهي رمز لكل الوطن العربي وهي قلبه النابض بالحياة أمس واليوم وغداً ولذلك يلزمنا تضافر كل العقول والارادات لتحويل الأهداف والأماني والرغبات إلى فعل يخط مجرى كبير يحفر عميقاً فيوصل الماء لمصبه ، ويقدم حلاً لمعضلة المراوحة منذ ستين عاماً وحتى الآن . في ذكرى النكبة .. وفي ذكرى الاغتصاب والاحتلال .. وفي ذكرى قيام كيان العدوان والظلم نستلهم أرواح الشهداء ونبني على تضحياتهم الجسام صروح القوة والإرادة المصممة على إنهاء الظلم ووضع حد لنكبتنا ولكي لا تتكرر مثلها اليوم ولا الغد وحتى تتحول الرغبات إلى وقائع بفعل التخطيط والعمل الدءوب ولكي نقول لوطننا فلسطين بكل ثقة أن دوام الحال من المحال وأننا عائدون.
زياد ابوشاويش