حاولت الكثير من الأطراف العربية سياسية كانت أم إعلامية اعتبار السابع من أيار بدايةً لانقلاب حزب الله على “الشرعية اللبنانية” بغرض فرض أجندة إيرانية سورية على الساحة اللبنانية، وتحويل لبنان لرهينة في يد الدولتين الإيرانية والسورية على حد تعبير هذه الأطراف العربية وعلى رأسها من يسمون أنفسهم بفريق المولاة أو الأكثرية في لبنان.
وشنت هذه الجهات هجوم غير مسبوق على المقاومة الوطنية اللبنانية من خلال مهاجمتها لحزب الله، فهناك من كفر وأخرج حزب الله وأنصاره من الإسلام وفق ما أفتى به مفتي الديار الحجازية، ووصل الأمر بهذا المفتي لتشبيه سماحة السيد حسن نصر الله بشارون، وتداعى وزراء الخارجية العرب للاجتماع خلال ثمانية وأربعون ساعة لمناقشة الأزمة اللبنانية، ناهيك عن بعض وسائل الإعلام وبعض الكُتاب الذين وجدوا ضالتهم بأحداث لبنان ليفرغوا سمومهم بجسد المقاومة اللبنانية، وكأن ما قاموا به فترة عدوان تموز 2006 ضد حزب الله لم يكفيهم.
ومخطيء من يظن أن كل هؤلاء انتفضوا لنصرة لبنان وشعب لبنان، فمن يريد نصرة لبنان لا يتركه لقمة صائغة لقوات الاحتلال الإسرائيلي لتعيث به خراباً ودماراً على مدار ثلاثة وثلاثون يوماً دون أن يحركوا ساكناً، وقصة الحرص على سُنة لبنان فهذه كذبة لا مثيل لها، فالحريص على سنة لبنان لا يشارك بالجرائم الأمريكية ضد العراق وشعبة منذ خمس سنوات، ومن يحرص على السُنة لا يشارك في الحصار على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من عامين ليس لسبب إلا لممارسة حقه في انتخاب ممثليه بحرية وديمقراطية، ومن يريد رفع وإعلاء راية الإسلام لا يترك المسلمين يقتلون في أفغانستان.
وكما يقول المثل الشعبي ” لو جحا بفلح كان فلح في دياره” فقبل أن يتحدث النظام الرسمي العربي عن فتنه طائفية في لبنان هدفها السنة هناك نود سؤالهم ما ذا فعلتم لشعوبكم أولاً إن كانوا سنة أم شيعه؟، ففي مصر يصطف المصريين ساعات لشراء كيلوا من الخبر المدعوم مقابل حيتان الاقتصاد المصري الذين نهبوا البلد واحتكروا كل شيء فيها لصالح جيوبهم تحت مسمع ومرأى النظام لا بل بمشاركة الكثير من الأطراف الحكومية، وعلى هذا المنوال يمكن القياس على كافة الأنظمة والأقطار العربية من محيطها إلى خليجها، فمن يدعي الحرص على لبنان وشعبه عليه أن يكون بدايةً حريص على شعبه ووطنه، ويعمل على توفير احتياجاته لكي يعيش حياة كريمة قبل الادعاء بالحرص على غيره من الشعوب العربية.
وقد جاءت أحداث لبنان الأخيرة لتؤكد مخاوف المقاومة الوطنية اللبنانية وعلى رأسها حزب الله، وأهم هذه المخاوف استهداف سلاح المقاومة، حيث تبين أن كل من تحدثوا عن ضرورة نزع سلاح حزب الله هم أنفسهم يديرون مليشيات ويملكون مخازن أسلحة مما كشف النقاب وبصراحة عن ما يخفون هؤلاء من مخططات لضرب المقاومة عندما تحين ساعة الصفر التي سيحددها لهم مشغليهم في البيت الأبيض وفي بعض عواصم النفط العربية للانقضاض على المقاومة الوطنية اللبنانية.
ومن اعتبروا حزب الله مفتعل للأحداث الأخيرة في لبنان من الواضح أنهم يصطنعون فقدان الذاكرة لتبرير مواقفهم، فما قام به حزب الله كان رد طبيعي على سلسلة من الخطوات والمواقف التي قامت بها رباعية ديفيد ولش (السنيورة، جعجع، الحريري وجنبلاط) ، فهم عملوا على كشف شبكة الاتصالات الخاصة بسلاح المقاومة، وقاموا بتسريبها إلى إسرائيل بواسطة الوزير مروان حمادة تحت حجة إعلام الأمم المتحدة بالموضوع ولضم هذه الشبكة لقرار (1701) الخاص بعدوان تموز، وهذا جزء بسيط من سلسلة التنسيق الطويلة بين من يسمون أنفسهم بالأكثرية وبين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والاتحاد الأوروبي لضرب حزب الله، وفشل العملية الكبيرة التي كان المفروض أن تنفذ في لبنان خير دليل وخير شاهد.
وجاءت هذه الأحداث في لبنان لتؤكد مجموعة من الحقائق أولها أن لا حرب طائفية ولا فتنه في لبنان، والموضوع يدور عن مواجهة بين مشروعين أحدهما أمريكي والثاني مشروع وطني مقاوم، والحقيقية الثانية أن قوة حزب الله العسكرية، وحكمة سماحة السيد العقلية هما الضمانة لعدم اندلاع الحرب الأهلية من جديد في لبنان، أما الحقيقية الثالثة فهي التورط الرسمي والفعلي لأطراف عربية في لبنان لخدمة هذا المشروع الأمريكي والذي يهدف بالدرجة الأولى لترويض إيران وسوريا عبر الضغط عليهم بسوائل عدة، أو لضربهما عسكرياً في حال فشل عملية الترويض هذه.
بالتالي السعي لتكريس فكرة الانقلاب من وراء ما قام به حزب الله هو الانقلاب بعينه، فكل الأطراف التي تروج لهذه الفكرة هدفها اختلاق ذرائع وحجج لضرب حزب الله عبر تحالفات خارجية، وحتى إن تم مجاراة أصحاب هذه الفكرة فنقول نعم إن ما قام به حزب الله هو انقلاب علاجي وليس هجومي كما يحاول تصويره البعض، كان هدفه إيصال رسالة لمن يسمون أنفسهم بالأكثرية وحلفائهم على المستوى الإقليمي والدولي محتواها أن هذا الحزب وهذه المقاومة لن يكون من السهل هزيمتها وعليهم استخلاص العبر مما جنته إسرائيل في عدوان تموز 2006.