عبدالجواد خفاجى
آخر مرة ظهر فيها زغلول كانت بالأمس، أثناء صلاة المغرب ، وكان واقفاً أمام المسجد، رافعاً يديه وصوته، وهو يسب دين الحكومة.
الحاج فواز البوهيجى الذي جاء بالخبر قال: إنه كان يريد أن يسحبه من يده إلى المندرة ليعشيه، لكنه امتعض عند سماعه سب الدين، ومن ثم أشاح بوجهه ومضى مستغفراً، وقال إنه يستغرب: كيف يكون زغلول وليّاً من أولياء الله ويسب الدين؟ وقال “علي أبو دياب” : إنه ولد مجنون ، ليس وليًّا ولا يحزنون ، وأضاف: لا ربنا سيحاسب المجنون ولا الحكومة. وقال عباس : الحكومة لو سمعته ستضربه بالنار، وقال محمد الفخراني: ” إلا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون” وأضاف: الولاية سرّ، ومصر كلها أولياء ومقامات. وقال السيد متولي : زغلول معه حق ، والحكومة ليس لها دين، وقال الشيخ سلام : دا كلام يؤدي إلى “شلاتين”* وقال الفخراني: ” وأنت الصادق ، يؤدي “أبو زعبل” وقال عبد الباسط: يؤدي إلى “ستين داهية” .
اختلفوا كثيراً : هل يؤدي الكلام إلى شلاتين أم إلى “أبو زعبل” أم إلى ستين داهية؟. إلى أن قال الشيخ سلام الذى رأى أن يغيِّر الموضوع : ” حميدة ولدت ” وقال عباس : ” جابت جوز ” ورد على أبو دياب : ” زوج ولا فرد .. المهم أنها قامت بالسلامة” وسألهم الفخراني: ولدان أم بنتان ؟ ورد عبد الباسط: ولدان ، وقال علي أبو دياب : إنه سمع أنهما ولد وبنت ، وأقسم الحاج فواز أنهما بنتان.
اختلفوا كثيراً .. ولدان أم بنتان أم ولد وبنت، إلى أن سمعوا صوت زغلول يشق الظلام قادماً من الشرق يسب دين الحكومة.
ـ أعوذ بالله .. جبنا سيرة القط جانا ينط . ( قالها على أبو دياب ممتعضاً)
وكان أن قال الفخراني: ـ لا يجوز التعوذ عند سماع صوت الولي . فسأله الشيخ سلام( بالفصحى) : ومن أدراك أنه ولي ؟ . فأجاب الفخراني: كراماته. وأضاف : آخر مرة سقط فيها زغلول من فوق نخلة الجامع قلنا كلنا إنه سيموت ، وإنه أكيداً تحطمت عظامه، لكنه قام مثل الجن . وقال عباس: ما دام زغلول وليّاً ، فلا يجوز أن نقول عنه أنه مثل الجن، وقال السيد متولي : الجن فيها الصالح وفيها الطالح ، وقال الشيخ سلاَّم : زغلول لا هو جن ، ولا هو ولي، ولا له كرامات ولا يحزنون. دا حتة عيل أهبل ، والنخلة كان تحتها كوم رمل ، وأي واحد يقع يسقط فوق كوم رمل سيقوم سليماً معافى.
وأقسم الفخراني: عليَّ الطلاق زغلول وليّ .
وبينما كان الخلاف حاداً حول شخصية زغلول، كان صوته يقترب ويزداد حدة، شاقا الظلام إلى آذانهم هاتفاً يسب دين الحكومة. غير أن صوته اختلط فجأة بنفير زاعق متصل لسيارة قادمة من بعيد.
قال الفخراني : أعوذ بالله .. صوت ” بوكس” الحكومة.
وقال عبد الباسط : ها يقبضوا على زغلول.
وقال علي أبو دياب : صوت عربة إسعاف .
وقال الشيخ سلام: ” بوكس ” .. إسعاف .. أنا رايح أنام .
انصرف الشيخ سلام تاركاً الخلاف دائراً حول : إسعاف .. بوكس … بوكس ، إسعاف . إلى أن قال الفخراني : تصبحوا على خير .
كان صوت النفير يقترب ويقترب ، وكانوا ينصرفون فرادى ، وكان صوت زغلول وحده يزاحم الظلام والنفير القادم ، هاتفاً : دين الحكومة يا ناس .. دين الحكومة يا ناس .
( تمت )
19 / 9 / 2002 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحوظة : شلاتين : منطقة مصرية صحراوية نائية على مقربة من الحدود المصرية السودانية غالبا ما يُنفي إليها المارقون من مستوظفى الدولة.