القضية الفلسطينية هي واحدة من أكبر قضايا التحرر الوطني وأكثرها عدلاً في التاريخ الحديث، كما أنها أكثرها تعقيداً. كيف من الممكن بحال من الأحوال أن لا يكون لها منذ أوسلو 1993 حتى يومنا هذا إستراتيجية عمل سياسية وطنية وحدوية على مستوى كيانها ومؤسساتها؟ حين لا يمكن لأحد أن يعبث بمقدراتها صغيرة كانت هذه المقدرات أم كبيرة. والمثل الشعبي يقول: “اللي ما بيشرب من كفه ما بيرتوي” أي وفق الإستراتيجية السياسية البرنامجية التي تكفل مواجهة الإستراتيجية الإسرائيلية.
فعند الحديث عن أن الشعب الفلسطيني يعيش مرحلة تحرر وطني، لا يجب أن تقصر زاوية النظر إلى المقاومة المسلحة، لأن قوانين حركة التحرر والأشكال والأساليب النضالية التي تتخللها أوسع بكثير، لجهة وحدة الشعب على برنامج وطني موحد، وحل التعارضات بين الفصائل والقوى بوسائل ديمقراطية، والحفاظ على المرجعية الوطنية والتمثليلة الموحدة، وتغليب الصراع الرئيسي مع الاحتلال الإسرائيلي على أي تناقضات ثانوية بين إخوة ورفاق الصف الواحد، وتكاتف كل الجهود والأشكال النضالية.
نحن لسنا ضد مبدأ التفاوض والحل السلمي، فمثلاً الجزائر، جنوب أفريقيا، فيتنام… الخ. قاتلت وفاوضت، وخضنا معارك سياسية كبرى من أجل إيضاح الفكر السياسي الفلسطيني بهذا الاتجاه، لكن بالمقابل نحن لم نكن في يوم من الأيام مع أي حل، بل مع حل يقوم على أساس قرارات الشرعية الدولية في هذه المرحلة، التي تضمن لشعبنا الفلسطيني حقوقه الوطنية والمشروعة، وبالعودة وتقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967 وعاصمتها القدس، وحل مشكلة اللاجئين عملاً بالقرار الأممي 194.
لكن هذا البرنامج الوطني تعطل بفعل اتفاقات أوسلو الجزئية والمجزوءة عام 1993، والآن تعطل بالكامل بفعل الانقسام المدمر، انقسام يقوم على التصارع على النفوذ في السلطة والمال بعيداً عن المصلحة الحقيقية الفعلية للشعب الفلسطيني، وصراع المحاور الإقليمية العربية والشرق أوسطية تعمل لتعميق الانقسام ومحاولة تحويل الحالة الفلسطينية إلى حالة “مأسورة” بيد المصالح الإقليمية كما هو حاصل مع الحالة الداخلية اللبنانية.
التجربة العملية تؤكد أن الوقوف عند حدود الوحدة الميدانية لم يعد يوفر جواباً كافياً على المسائل والقضايا المطروحة في الساحة السياسية وأثبتت التجربة في ظل غياب برنامج العمل المشترك الذي يوحد المقاومة بأشكالها: المسلحة، الجماهيرية، السياسية، الثقافية، والديبلوماسية، وعلى أرضية سياسية مقاتلة، وبندقية مسيَّسة. فإن المصالح الفئوية الضيقة تبرز على حساب المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وحتى يصبح من الممكن تنفيذ برنامج العمل المشترك، يجب أن نجمع بين مقاومة الاحتلال والمفاوضات السياسية وهذا ما فعلت كل ثورات الدنيا، كل الثورات تقاتل وتفاوض.
إن فتح الطريق لسلام شامل متوازن يتطلب:
أولاً: أن تلتزم إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية، وهي لم تلتزم حتى الآن. والسبب في ذلك ليس فقط سياسة الانحياز الأمريكي، بل الأوضاع الفلسطينية والعربية وتدخلها في الشئون الداخلية الفلسطينية، لذلك يجب أن نعيد بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية، وننهي الانقسام الحاصل والقائم والصراعات على السلطة والنفوذ، من خلال حوار فلسطيني شامل وعام من أجل تنفيذ البرنامج السياسي الموحد الذي اتفقت عليه كل القوى الفلسطينية في آذار بالقاهرة 2005، وفي حزيران بغزة 2006 والذي ارتدت عليه حركتا حماس وفتح، من خلال اتفاق المحاصصة في مكة. فشرط النصر لأي حركة تحرر وطني هي الوحدة الوطنية المبنية على أسس ديمقراطية.
ثانياً: بناء كل مؤسسات السلطة عملاً بقوانين التمثيل النسبي الكامل وانتخابات جديدة وفق وثيقة الوفاق الوطني التي أجمعت عليها كافة القوى، وأيضاً أن نعود إلى الشعب الفلسطيني في الوطن وأقطار اللجوء والشتات حيث يجري تجاهل الشعب الفلسطيني بالشتات 62% من مجموع شعبنا، فهو لم يُستَشَر أو ينتخب أحداً منذ عام 1993 حتى يومنا. وأن نعمل لانتخاب مجلس وطني فلسطيني موحد داخل الأرض المحتلة وفي أقطار اللجوء والشتات بالتمثيل النسبي الكامل، لنعيد بناء كل مؤسسات م. ت. ف. بعملية انتخابية كاملة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية، واعتماد خطة حقيقية للإصلاح الوطني والتغيير الديمقراطي لأوضاع السلطة الفلسطينية ومؤسسات م. ت. ف. وبما يضمن توفير المقومات وتعزيز الوحدة الإقليمية للأرض الفلسطينية في مواجهة محاولات تجزئتها إلى بانتوستانات منعزلة وفقاً لخطة فك الارتباط الإسرائيلية.
ثالثاً: تعزيز التعبئة الشاملة ضد الاحتلال داخل الوطن باتخاذ الإجراءات التي تكفل إزالة عوامل الاحتقان والتوتر، وفك الحصار عن شعبنا، وفت
ح المعابر، والتخفيف عن كاهل المواطنين، واستنهاض دور شعبنا في الشتات تأكيداً لوحدته في إطار حركة جماهيرية ديمقراطية للاجئين تشكل ركيزة أساسية من ركائز م. ت. ف.
ح المعابر، والتخفيف عن كاهل المواطنين، واستنهاض دور شعبنا في الشتات تأكيداً لوحدته في إطار حركة جماهيرية ديمقراطية للاجئين تشكل ركيزة أساسية من ركائز م. ت. ف.
ومن المفيد القول أن العملية التفاوضية الدائرة الآن تشكل عبئاً سياسياً على الحالة الفلسطينية، فحكومات إسرائيل ما زالت تنحني وتركع لجدول أولويات الذين يزرعون بلادنا بالمستوطنات ويتكلمون “الميثولوجيا” علم الخرافة والأساطير، بأن الأراضي الفلسطينية هي أرض إسرائيل. فحكومات إسرائيل غير ناضجة للسلام الشامل والمتوازن، وهنا ندعو من جديد إلى وقف المفاوضات حتى يتوقف العدوان والحصار والاستيطان.
رابعاً: مطلوب بناء جبهة مقاومة متحدة بمرجعية أمنية وسياسية موحدة، بهدف الجمع بين مقاومة راشدة ورشيدة وبين السياسة الوطنية الموحدة المبنية على برنامج وثيقة الوفاق الوطني.
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين – غزة