بعد نهاية العرب العالمية الثانية وطيلة فترة النصف الثاني من القرن العشرين بدأت علامات اضمحلال وانحسار الامبراطورية البريطانية العظمى التي انهكتها الحرب وبدا الانقسام العالمي الى المعسكرين المعروفين انذاك الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي ” السابق ” او المعسكر الاشتراكي , والغربي الذي ضم اكثر الدول الاوربية او ما سمي بالمعسكر الرأسمالي ولكل منهما تحالف او ذراع عسكري وبدأ سباق التسلح بين المعسكرين وما تلاه بما سمي بالحرب الباردة الذي ادى الى إن يبدو العالم وكأنه منقسم الى نفوذين وطبعا امتنا العربية التي كانت قد بدأت أقطارها للتو تحصل على ما يشبه الاستقلال تقع ضمن دائرة النفوذ الغربي وكان محرم على الاتحاد السوفيتي السابق الاقتراب منها رغم محاولاته المتكررة او نجاحه المحدود في قسم من الأقطار التي امتاز نظام حكمها بالثورية .
حاول النفوذ الغربي عزل المعسكر الاشتراكي من خلال ربط شريط الدول المحاذي له باتفاقيات ومعاهدات دفاع مشتركة برعاية الولايات المتحدة الامريكية مثل حلف بغداد وحين حاولت مصر التي بدأت تغرد خارج سرب العرب الخاضع للهيمنة الغربية اثر قيام ثورة يوليو / تموز 1953 بزعامة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والتفاف التيارات القومية العربية حوله افتعلوا مسألة تأميم قناة السويس كذريعة لتوجيه ضربة الى مصر فكان العدوان الثلاثي عليها عام 1956ويعتبر الرد العربي أول انتصار حقيقي بوجه العالم الغربي وهيمنته فاحدث تأثيرا ايجابية مهمة لصالح التيارات القومية ونزعتها الاستقلالية وأعادت ثقة المواطن العربي بنفسه وبإمكانياته القتالية الذاتية في الدفاع عن نفسه بعد إن كان يعاني من أثار نكبة فلسطين عام 1948.
وبطبيعة الحال فان الولايات المتحدة الامريكية بذلت جهود كبيرة من اجل تثبيت سيطرتها على المنطقة وكان أهم دعائم جهودها تقوية قاعدتها وتثبيت وجودها في رعايتها المطلقة لربيبتها الصهيونية لتستولي فيما بعد على كل فلسطين .
ولقد أصبح لدينا الآن سؤال هو هل إن الكيان الصهيوني نتاج رغبة المعسكر الغربي في السيطرة على الوطن العربي او إن الهيمنة الغربية على الوطن العربي كانت لدعم الوجود الصهيوني ؟ أي بمعنى اخر هل إن المصالح الغربية في الوطن العربي أدت الى إنتاج الكيان الصهيوني او العكس من ذلك بحيث إن حماية المعسكر الغربي للكيان الصهيوني تطلبت تشتيت الأمة العربية وإضعافها ؟ وفي كلتا الحالتين نحتاج الى السؤال عن السبب … لماذا ؟
إن الإجابة على السؤال الوارد أعلاه تتطلب العودة الى الوراء اكثر مما تقدم ولكن المهم فيه وبشكل سريع إن العرب قد اقتنعوا لعدة قرون من الزمن بالرعاية العثمانية لهم لاعتبارات كثيرة من بينها أنها ” أي الدولة العثمانية ” تدين بالإسلام الأمر الذي ادى الى تخلف امتنا وقمع أي محاولة لنهضتها في الوقت الذي شهد العالم الغربي قفزات نوعيه أدت الى فارق كبير في التطور الحضاري في كل جوانب الحياة ثم تلاه الهيمنة الغربية على امتنا خصوصا بعد اكتشاف النفط في أرضها بكميات خيالية وسيطرت هذه المادة على العصب الاقتصادي العالمي الاول في العالم , وتطير التبعية العربية للغرب وفق نظام الانتداب الذي فصل على مقاييس امتنا الأمر الذي جعل العالم الغربي يبحث عن الطريقة المثلى للإبقاء على الأمة العربية في حالة دائمة من التخلف والتبعية له فتمثلت في زرع الكيان الصهيوني ومن ثم رعايته على حساب الأمة العربية مهما كلف الثمن الذي يدفعه العرب .
إذا كان النفط عصب الاقتصاد فان الموقع الاستراتيجي للوطن العربي لا يقل عنه في الأهمية لسيطرته على الأذرع الهامة في طريق الملاحة البحرية التي تخلو من الصخور والجنادل التي تعيق الملاحة بالإضافة الى انه حلقة الوصل بين البحر المتوسط الذي يحد القارة الاوربية بالبحر الأحمر عن طريق قناة السويس العربية ومن ثم بالمحيط الهندي عن طريق مضيق باب المندب الذي تتواجد فيه مراكز الثقل الإستراتيجية للقارة الاوربية والأمريكية ولم تهدأ الادارة الامريكية إلا بعد إن ضمنت سيطرتها المطلقة على قناة السويس من خلال سيطرتها على نظام الحكم المصري اعتبارا من فترة حكم محمد أنور السادات وأتمت بل سخرت نظام حكم حسني مبارك لخدمة مشروعها بشكل كامل , بينما لازالت المشاكل قائمة في السودان الذي يطل على جانب من البحر الأحمر , أما الصومال الذي يشكل حلقة مهمة في حركة الملاحة البحرية المسيطرة على بحر العرب ونفطه الذي لا زال بكرا فقد أصبح أرضا مشتعلة تحت إقدام أهله بذنب انتمائه العربي .
إضافة الى هذه الأسباب وغيرها الكثير يوجد الفرس ذوو الأطماع الواسعة والطموح الكبير في التمدد على حساب المنطقة العربية حصرا كهدف أول دون غيرها لا
حتوائها وإدخالها في دائرة نفوذهم ولهم أسبابهم والتي سنتطرق إليها في بحث مستقل وهذا ما يلاحظ من خلال الحرب التي شنها الملالي بدفع من أحقاد خميني وقبلها احتلالهم للجزر العربية الثلاث , أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى حال انسحاب القوات البريطانية منها عام 1971.
حتوائها وإدخالها في دائرة نفوذهم ولهم أسبابهم والتي سنتطرق إليها في بحث مستقل وهذا ما يلاحظ من خلال الحرب التي شنها الملالي بدفع من أحقاد خميني وقبلها احتلالهم للجزر العربية الثلاث , أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى حال انسحاب القوات البريطانية منها عام 1971.
لقد كان النفط من بين أهم الأسلحة التي استخدمها العرب في معركتهم ضد الكيان الصهيوني عام 1973 ومن العوامل التي قربت النصر والحسم العسكري لصالح امتنا وجعلت المعسكر الغربي يعيد النظر في حساباته ولان نتائج المعارك لم تستثمر بالشكل الصحيح الكامل فقد رتب الغرب لإحكام السيطرة على اقتصاديات الدول العربية وخاصة النفط وربطها بالاقتصاد الغربي بما لا يسمح بتكرار استخدام النفط او غيره كسلاح في المعركة .
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وانفراد الولايات المتحدة الامريكية بالقرار العالمي رغم بعض المشاكسة التي قد تبديها هذه الدولة الاوربية او تلك ولضمان امن الكيان الصهيوني الذي لا يختلف علية غربيان إطلاقا اتضح من خلال ما تقدم انه من أهم عوامل تفتيت الأمة العربية وللتعجيل في انجاز مشروعه الذي لم يكتمل خلال اكثر من نصف قرن كان لابد من غزو العراق واحتلاله عسكريا بعد إن فشل الحصار الذي شمل كل مفاصل حياته في كسر شوكته والحد من عزيمة قيادته الوطنية لصلابة المشروع القومي الذي تتبناه وارتباط الشعب العربي ألصميمي به فكانت أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 ذريعة لبدء ذلك العدوان القذر واهم مبرراته .
إن غزو العراق واحتلاله والإطاحة بمشروعه النهضوي القومي الذي يعتبر تحرير فلسطين طريقا لتحقيق دولة العرب , تعني بالضرورة السيطرة المطلقة على أنظمة الحكم العربية بشكل نهائي ومحكم ذلك لأنه يعتبر العمق الاستراتيجي العسكري والبشري والمادي لدول المواجهة العربية مع الكيان الصهيوني إضافة الى سيطرة العالم الغربي على ثروات الأمة ومنع استخدامها وتجنيدها كأحد أسلحة المواجهة حيث إن رؤوس أموال الأقطار العربية المودعة في الخارج تشكل مصدرا رئيسيا لرؤوس الأموال الأمريكية ، بحيث تبلغ قيمة الودائع العربية 7 مليار دولار أمريكي في بنك “هوا تشي” الأمريكي ، أي بما يعادل 25 % من مجموع ودائع فروع بنك “هوا تشي” في أوربا وإفريقيا والشرق الأوسط والبالغة31 مليار دولار . إن خروج الودائع العربية سيحدث خسائر خطيرة في أوساط البنوك , ومن المقدر أن هناك 200 ألف مليونير في الأقطار العربية ، تبلغ رؤوس أموالهم 1400 مليار دولار أمريكي ، و85 % منها في الخارج , علما إننا نملك 80% من الفوسفات و31% من البترول و9% من الحديد من إنتاج العالم , السعودية تملك ثلث مراعي العالم (85 مليون هكتار)!
حين اتفق قسم من العرب على استدعاء القوات الغربية والتحالف معها ضد العراق اثر أحداث الكويت عام 1990 واستقرار تلك القوات في الأراضي العربية حتى بلغ تعدادها عام 1996 اكثر من نصف مليون عسكري في الأراضي السعودية كان البعض منهم يضن إنها سترحل من تلقاء نفسها بمجرد انتهاء مهمتها ولكن الأحداث أثبتت غير ذلك فطال تواجدها وتعددت مهامها فأصبحت الأراضي العربية قاعدة لانطلاقها الجديدة وأصبحت عبئ ثقيلا على العرب في ابتزاز أموالهم في الوقت الذي أصبحت سببا لهجمات المتطرفين الإسلاميين الذين يعتبرون وجود تلك القوات تدنيس للمقدسات الإسلامية ,
إن العرب بمقدورهم لو أرادوا ولو امتلك حكامهم أمر اقتصادهم إسقاط الامبراطورية الامريكية الى الأبد عن طريق فك ارتباطهم بالدولار وبيع نفطهم بعملة غيره كاليورو الأوربي مثلا لأصبحت امريكا منذ لحظتها تتخبط في كساد اقتصادي لا ينتهي إلا بانهيارها الى الأبد .