د. عوض السليمان* – فرنسا
يجب ألا يفاجأ أحد بأن مصر، الدولة العربية – الإسلامية العريقة، تبيع غازها
د. عوض السليمان* – فرنسا
يجب ألا يفاجأ أحد بأن مصر، الدولة العربية – الإسلامية العريقة، تبيع غازها الطبيعي للصهاينة “وبسعر تشجيعي”. فحكومة مصر هذه حالة خاصة فريدة من نوعها.
فهي لم تكتف ببيع الغاز ومنعه عن جيرانها العرب، بل وعن أبنائها في بعض الأحيان، ولم تكتف باستغلال المناسبات كلها لتعلن تأييدها ووقوفها مع الصهاينة بنياناً مرصوصاً ضد الأمة العربية والإسلامية وتدمير المقاومة في فلسطين ولبنان والتآمر على العراق والصومال والسودان.
لم تكتف الحكومة الرشيدة بكل هذا، بل وتأكيداً للولاء للصهاينة، فقد أرسل الرئيس المصري رسالة تهنئة للإرهابي “شمعون بيريس” هنأه من خلالها” باستقلال دولة إسرائيل”.
لا يكفي الحكومة المصرية عاراً أن هذا الكيان الغاصب قتل من أبنائها واحتل أرضها ولطخ يديه الآثمتين بدماء أطفالها كما حدث في بحر القبر وغيرها، حتى تقوم هذه الحكومة المنتهية صلاحيتها بالإجماع، بإرسال برقية تهنأ فيها العدو بعدوانه.
ليت أن الرئيس المصري أرسل رسالة إلى الكيان الصهيوني يطالب فيها بمعرفة مصير الجنود الأسرى في سيناء الذين قتلتهم القوات الصهيونية بدم بارد بعد أن قيدت أيديهم وأرجلهم بالسلاسل. وليت أن الرئيس المصري، طلب من الصهاينة الكف عن الإجرام اليومي الذي يمارسونه في فلسطين، وليته أدان على الأقل مجزرة غزة التي راح ضحيتها أربعة أشقاء برآء أكبرهم لم يتجاوز عامه الخامس.
قد يكون الرئيس مشغولا وقتها بإضاءة الشموع في عيد ميلاه الثمانين، فلم ينتبه لتلك المجزرة الرهيبة، وربما أن الرئيس مبارك كان يرد على رسائل التهنئة الصهيونية التي وصلته بمناسبة “مولده الشريف”.
ماذا حدث لهذه الدولة العربية العظيمة؟، حتى في عهد السادات الذي ذهب إلى الكنيست وخفض عينيه ولم يرفعهما أدباً، كانت الأمور أفضل مما هي عليه الآن. فلم يعد لهذه الدولة أية مواقف ولا نسمع من مسئوليها غير عبارات الرضا عن الصهاينة والاستياء من المقاومة ومن سورية ومن كل ما هو عربي – إسلامي. فماذا حدث للسيد الرئيس الذي يدعي محبوه أنه قائد الضربة الجوية الأولى في حرب تشرين عام 1973.
عندما اطلعت على نص الرسالة التي “بذلها” الرئيس “مبارك” لصديقه الحميم “بيريس”، استغربت ألفاظها وتوقفت برهة للتأكد مما جاء فيها، فقد هنأ الرئيس المصري، الإرهابي الصهيوني، بمناسبة مرور ستين عاماً على استقلال “إسرائيل”، وتساءلت: استقلالها ممّن، من كان يحتل “إسرائيل” هذه ثم استقلت. أياً كان هذه الرئيس فلا بد أن يراعي كلماته، وهذه لعمري ما هي بكلمات بل شطحات، فهل استقلت “إسرائيل” يا سيادة الرئيس من الفلسطينيين المتوحشين الذين احتلوا أرضها وهتكوا عرض أهلها.
هل كان الصهاينة يعيشون في فلسطين، ثم جاء العرب الفلسطينيون فشكلوا العصابات وأرادوا اقتلاع الصهاينة من أرضهم، فصمد هؤلاء في وجه المحتل العربي حتى حققوا الاستقلال!!.
ولماذا حا
ربت مصر الصهاينة، أ فظلماً وعدواناً إذاً، ولعل سيادة الرئيس يشعر بعقدة الذنب تجاههم، فقد حاربت بلاده بلداً تحررياً ما فعل شيئاً لأحد اللهم إلا البحث عن استقلاله المشروع.
ربت مصر الصهاينة، أ فظلماً وعدواناً إذاً، ولعل سيادة الرئيس يشعر بعقدة الذنب تجاههم، فقد حاربت بلاده بلداً تحررياً ما فعل شيئاً لأحد اللهم إلا البحث عن استقلاله المشروع.
كيف استقل الصهاينة وعن أي احتلال!!. هل هذا يعني أن الصهيونية حركة تحررية لا بد من أن نؤيدها ونقف ورائها بالمال ونرسل لها المساعدات العسكرية . وإذا كان الكيان الصهيوني قد استقل بالفعل بعد مقاومة شرسة بطولية ضد العرب، فهل هذا يعني أن نقف معهم ضد الفلسطينيين “بحماسهم وفتحهم”، لأن هؤلاء الفلسطينيين يهددون أمن دولة مستقلة مكافحة.
وإذا كان الكيان الصهيوني قد استقل بالفعل واستعاد أرضه كما يقول الرئيس، فهل يدلنا سيادته على خريطة الدولة الصهيونية المستقلة، وهل تضم هذه الخريطة القاهرة أم تكتفي بدمشق والمدينة المنورة وبغداد.
أولا يعني أن نهنأ الصهاينة بعيد “الاستقلال” أن الدول العربية كلها على خطأ في الصراع العربي الصهيوني، وأن هذه الدول من محيطها إلى خليجها دول إرهابية تحاول الاعتداء على دولة مستقلة مسالمة ذات سيادة؟ ، وأن على هذه الدول الظالمة أن تحترم حق الآخرين في الحياة وأن تكف عن إرهابهم، وأن عليها أن تبيع المازوت والقمح والقطن لهذه الدولة المستقلة تكفيراً عن الذنب!!.
تصوروا، أن الرئيس مبارك أرسل رسالته إلى الإرهابي “بيريس” في اللحظة التي يحيي فيها العرب والمسلمون ذكرى النكبة وذكرى ضياع فلسطين، وبدل أن يتذكر سيادته ذلك ويبعث رسالته للمنكوبين بعثها لصانعي النكبة ومغتصبي الأرض!!. فهل عرف التاريخ سابقة أغرب من هذه.
لم تخجل تلك الرسالة من دماء أطفال فلسطين، ولم تراع تشريد أهلها وتقتيلهم في مذابح ما عرفت البشرية أسوأ منها اللهم إلا مذابح المغول الجدد في العراق الأسير. وبدل أن تنكس الأعلام في مصر وتجدد الدعوات للمقاومة والعودة، وتعقد المهرجانات تأكيداً لحقنا في المقاومة واستعادة الحقوق، تقوم حكومة مصر ورئيسها بإرسال تهنئة للعدو، لأنه قتل أبنائنا واستوطن أرضنا وشرد أهلنا.
لم نكن لنطمع أن يحي الرئيس مبارك ذكرى النكبة، ويتذكر شهداء فلسطين، فحسبنا أن يصمت، ويتوقف عن بيع ثروات مصر للصهاينة في الوقت الذي لا يجد فيه أبناء غزة وقوداً ليخبزوا خبزهم ويأكلوا لقمتهم.
أتسائل فيما إذا كانت،الحيادية والموضوعية، والسياسة الواقعية قد انتقلت من محطة الجزيرة إلى الحكومة المصرية، والحق، فإن الجزيرة تكلمت عن “إنشاء دولة إسرائيل”، وهذا كما تعلمون تفرضه عليها ألوان الطيف السبعة، وأوامر الخارجية الصهيونية الغاضبة من القناة القطرية، أما أن تنتقل تلك العدوى إلى حكومة الرئيس مبارك فهذا هو المقلق المخيف!!.
ماذا يمكننا أن نستغرب أكثر، فقد بارك الرئيس مبارك احتلال أمريكا للعراق وتفهم الموقف الإثيوبي في اقتحام مقديشو، فإن ديدن سيادته أن يهنأ من يقتل أبناء جلدته ودينه ووطنه!!
ماذا يمكننا أن نقول أكثر…..” وما أنت بمسمع من في القبور”!!.
*دكتوراه في الإعلام