كتب/ رداد السلامي
أمام تعبه يستوقفك إحساس مفاجئ ..أمام عذاباته الصغيرة على رصيف البؤس يستدرجك إحساس آخر وأنت تحاول استعادة توازنك الإنساني المنساب عاطفة امام طفولة ذويت .
ليس لمحمد أحلام سوى أن يبقى على قيد الحياة ريثما يمارس حلما صغيرا رواده ذات مساء حزين ربما ،أو زقزق في مخيلته الغضة وهو يبعث من صدى الشجن البريء أغنية العصافير البشوشة.
حشرجات أنفاسه تخترق قلبك وتهز أوتاره ..تخلق فيك إحساس إنسان تلاشى في تيار الحياة الجارف..ينظر اليك مستجديا بما لديه من كتيبات يبيعها أن تشتري منه بضاعته ..
قال لي بصوت خافت مليء بالحزن : إشتري كتاب .عندها تمنيت لو أني لم أقف أمام جولة الجامعة .. لأني أعاني مما يعاني هو .. قلت له : بكم ؟ قال لي بخمسين ريال ..كانت مجموعة كتيبات يحملها في يديه المتعرقة.
قلت مبتسما لعل ذلك يخفف وطأة الاجابة : “ما فيش فلوس يا محمد ” ندت عنه نظرة حزينة متكسرة كموجة بحر أتعبها الركض الطويل وقال ”ليش” . وجلس على الرصيف . لم ارفع بصري عنه , وبقيت أنظر إليه , وكأنه يقول :لماذا ..؟ لماذا انا بالذات من بين الأطفال .. محروم من اللعب ..محروم من التنزه .. محروم ربما من التعلم …تقدمت من محمد بعد أن دخل دخل مكتبة قربية بخجل وسألته من أين أنت فأجاب :أنا من حجة
محمد سيكبر.. سيشب عن الطوق، تطوقه كراهية وطن وحاكم لم يبقي له فرصة واحدة ليمارس حلمه الطفولي ويحيا كما يحيا أبناءه ويأكل دماغ رؤوس “الكباش ” كما أخبرني ذات مرة أحد الزملاء الذين زاروا بيت قريب لأحد أقارب الحاكم فوجد ابنه يبكي لأنه لا يريد أن يأكل الا دماغ رأس “كبش”. وأقسم لي أن ذلك حدث!!
محمد لا يحلم بدماغ ..إنه يحلم بأن يحيا.. فقط أن يجد لقمة خبز سائغة لا يلفحها قهر الناس ونهرهم..ورغم ذلك فمحمد يدرس يتعلم أبجديات الحياة يتلمس طريقا إلى ضوء المعرفة كما يتلمس طريقه الى ضوء الحياة بكرامة..وما أن تبدأ الشمس بالتموضع في كبد السماء حتى يخرج من المدرسة ويباشر عمله المعتاد في بيع الكتب كي يوفر متطلبات دراسته وكرامته ..
يدرس في الصف الثالث الابتدائي يعمل ابوه كما يقول:” مكنسا” في البلدية براتب يبلغ قوامه 15الف ريال له أخت واحدة يكافحون معا من اجل إعالة ذواتهم يحصل في اليوم على 500ريال. .؟؟ إلى أن توارى كنت قد دسست في يدسه 40ريالا كانت هي من املكها بعد أن تركته غريق في همومه وأحزانه .
——————–
*كاتب وصحفي يمني