شهدت الأيام الماضية معارك عنيفة بمنطقة صعدة بين الجيش اليمني والمتمردين الحوثيين سقط جراءها عشرات القتلى والجرحى أغلبهم من الحوثيين . إن التوتر الحالي وبهذه الحدة يعود في أسبابه لذلك التفجير الدموي الذي وقع أمام المسجد بمدينة صعدة وأدى إلى احتقان غير مسبوق يكاد يطيح بكل الجهود التي بذلت لإحداث تهدئة تسهل عمل اللجان لإجراء مصالحة وطنية تعيد الحياة إلى طبيعتها وتعزز بسط الدولة لسيادتها على أرض اليمن وإقرار القانون ومن ثم عودة المهجرين والمطاردين إلى بيوتهم وتوفير سبل الأمان والعيش الكريم لهم . إن المعلومات الواردة من مصادر مختلفة في المنطقة تشير إلى تعزيز المتمردين مواقعهم مستغلين وصول لجنة الوساطة القطرية وتجاوب الدولة معها ، ومستعرضين قوتهم في مجموعة من التحركات والتعديات التي طالت أكثر من موقع وساهمت في تخريب جهود المصالحة ، كما استدرجت رداً قاسياً من الدولة ، حيث لا زلنا نرى معارك عنيفة تدور بين الطرفين في عدة مواقع بجبال صعدة وقراها .
ليس معقولاً أن تقوم مجموعات مسلحة من هؤلاء بقطع الطرقات بما فيها المؤدية إلى أماكن إسعاف الجرحى كالذي وقع حين قام المتمردون بمنع عبور الجرحى من الجيش اليمني إلى السعودية ما أدى إلى وفاة بعضهم ، إن هذا أمر غير مقبول تماماً كحصار المبنى الحكومي بمجموعة مسلحة تطل على المبنى من تلة مقابلة له وتهديد كل من فيه بالموت .
إن تهديد الحوثيين بتصعيد المواجهات بعد المعارك الضارية التي وقعت في منطقة دفعة بمديرية حيدان يدل على ما استنتجناه حول تعمد المتمردين قطع طريق الحوار والمصالحة لأسباب لابد ستظهر قريباً ، لكن الأمر يستحق التفكير ويثير مجموعة من التساؤلات المنطقية حول السلوك المريب لقيادة التمرد فهي من جهة تدعي الحرص على المصالحة وتتهم الحكومة بالتشدد ومن الأخرى تستخدم الأسلحة الثقيلة وتبادر للعدوان مثيرة العديد من الاستفسارات حول مصادر هذه الأسلحة والتمويل الكبير الذي تحظى به الحركة المتمردة .
إن التصعيد السياسي والعسكري واستمرار الحوثيين في السيطرة على أحد معسكرات الجيش بالمنطقة ووقوع هذا العدد الكبير من القتلى والذي وصل حتى منتصف الأسبوع إلى 52 قتيلاً يشير أيضاً إلى تدخلات خارجية تحرض على بقاء الوضع على حاله بل ترغب هذه الجهات في استمرار التصعيد وربما استدراجه إلى مناطق جديدة .
إن التهديد بفصل المنطقة عن الوطن الأم أو مجرد التلويح به أو الإيحاء بأن هناك إمكانية لذلك يقطع كل الطرق المؤدية إلى التهدئة والمصالحة وليس من مصلحة اليمن أو المتمردين وصول الأمور إلى نقطة اللاعودة ، حيث الدولة مصممة على استعادة نفوذها وبسط سيطرتها على كامل المنطقة ولن تسمح بأي انتصار لهذه المجموعة يوحي بضعف الدولة أو يشكل نموذجاً يمكن أن يتبع في مناطق أخرى مرشحة بقوة لطلبات تقود حتماً للانفصال لو تم تطبيقها .
لقد حملت وزارة الدفاع اليمنية مسؤولية إفشال الوساطة القطرية للمتمردين الحوثيين وهي في هذا على حق وما لمسناه خلال الأيام الماضية يوحي بأن هناك أجندة لدى هؤلاء يقومون بتنفيذها عبر الاعتداءات هنا وهناك وقطع الطرقات واستعراض القوة ، هذه الأجندة ستقود إلى فشل الوساطة ولا ندري أي مصلحة للحوثيين في هذا الفشل الذي يسعون إليه اللهم إلا إذا كانوا يطبقون تعليمات خارجية لإبقاء التوتر والقيام بمشاغلة الحكومة اليمنية الغارقة أصلاً في مشاكل داخلية مزمنة ، والتي تسعى للملمة بعض الجراح الناجمة عن المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها عدة مناطق ومدن يمنية وسقط جراءها بعض الضحايا ، تلك الاحتجاجات التي طالت أكثر من مجال سواء في الاقتصاد أو قضية الجنوب أو العسكريين المتقاعدين ، وهي كلها مشاكل تحتاج تضافر جهود كل اليمنيين لحلها وليس حرف المسائل عن مساراتها باتجاه معارك لا تقدم ولا تؤخر في مجرى التطور الديمقراطي للبلد ، فالكل يعلم أن انشغال الحكومة في معارك من هذا النوع والوزن سيجعلها أقل صبراً في مواجهة أي طلبات داخلية تتعلق بالديمقراطية وستكون ردات فعلها أكثر قسوة تجاه أي تحرك داخلي للمطالبة بمزيد من الصلاحيات للسلطات المحلية في الولايات والمناطق والمديريات على امتداد الوطن اليمني .
إن نظرة شاملة على واقع الصراع الدائر بين الدولة والحوثيين والإطلال على مواقف بعض الأطراف اليمنية ربما يوضح بشكل أكبر مجمل الخريطة واستشفاف المستقبل اليمني المحفوف بالمخاطر ،فمن جهته قال زعيم التمرد أن جماعته لم تقم بتفجير المسجد في صعدة واتهم حكومة صنعاء بفعل ذلك لتخريب الوساطة القطرية متهماً بعض من في السلطة بالرغبة في بقاء القتال تحقيقاً لمصالحهم الشخصي
ة ، ومن جهته قال السيد حسن زيد الأمين العام لحزب “الحق” الذي انشقت عنه جماعة الحوثي : ” أن الحوثيين لا يحملون مشروعا سياسيا للوصول إلى السلطة، “بل إن مشروعهم يلتقي مع الحزب الحاكم في الحد من التوجه السلفي، ومواجهة حزب الإصلاح الإسلامي”، المنافس الأول للحزب الحاكم في اليمن. ومعروف أن المذكور وحزبه يتمتع بنفوذ قوي في منطقة صعدة .
وقد أشار الرجل إلى أن الحكومة يجب أن تتفاهم مع الحوثي ولا تبعده عن المنطقة لان هذا سيقود إلى بروز قيادة ميدانية جديدة وتوليها المسؤولية وهي قيادات متطرفة كالمدعو عبد الله الرزامي القائد العسكري الميداني للمتمردين بصعدة .
إن هذا الحديث يلقي بظلال على رؤية الأمور في هذا الصراع خصوصاً عندما يترافق بكلام البعض عن أخطاء ترتكبها الدولة في معالجتها لهذا الشأن الحساس .
ومن جهته يعيد السيد الحوثي التأكيد على أن تنظيمه ليس سياسياً بل منتدى للشباب المؤمن هدفه توعية الأمة بالمخاطر المحيطة بها ومواجهة المؤامرات التي نتعرض لها ، ولم يشرح لنا السيد الحوثي ما صلة منتدى ثقافي بالمدفعية الثقيلة وعمليات الاقتحام والكمائن التي ينفذها مقاتلوه ضد الجيش اليمني في صعدة .
الأفضل طبعاً لليمن أن تنجح اتفاقية الدوحة وتنتهي المعارك ويكف البعض من الدول القريبة والبعيدة عن التدخل في الشؤون الداخلية لليمن وأن ينتبه الحوثيون إلى سلوكهم حتى في قتالهم لأبناء جلدتهم وأن يعلموا أن المزيد من الدم سيؤدي إلى تعقيد الوضع إلى حد وقوع حرب حقيقية خامسة مع جيش وطنهم مما سيلغي أي إمكانية لاحقاً للمصالحة ولن تكون الوساطات ذات قيمة في هذه الحالة .
إن أفضل ما يفعله الحوثيون إن كانوا حقاً حريصين على بلدهم وأمنهم وإذا كان الهدف توعية الأمة للمخاطر الخارجية هو قطع صلاتهم بهذا الخارج والعودة للدولة وفتح باب الحوار الجدي مع السلطات والجيش اليمني من أجل وضع حد للقتال بسرعة والتوقف عن الأعمال الوحشية التي تقوم بها كقطع طرق المواصلات تجاه المشافي لإسعاف الجرحى لأن ذلك يمثل جرائم حرب لا تتفق مع ادعاءات زعيم الجماعة حول أهدافها الوطنية والإسلامية السامية حسب تعبيره.
وفي المحصلة النهائية فان رؤية صافية للشعور الشعبي العام تجاه ما يجري سيساعد هؤلاء على تلمس طريق الحق وهو هنا العودة لخدمة بلدهم بطريقة مختلفة ، فالشعب اليمني بأغلبيته ضد التمرد تماماً كموقفه ضد الدكتاتورية .
زياد ابوشاويش