إن ما حدث في لبنان يجعلنا نقف أمام نقاط كثيرة، بشأن أطراف الصراع الداخلي هناك و مراهنة كل من تلك الأطراف على الشعب اللبناني الذي بات في حيرة من أمره جراء ما حدث و يحدث، و الذي بلا شك أن الخاسر الوحيد من خلال ما يجري في لبنان هو الوطن.
فبات الشعب في لبنان مهدد بضياع وطن، بعد أن أنشد ذلك الشعب يوماً ” كلنا للوطن”، فلم يعد يدري الشعب اللبناني أي وطن ذاك هو الذي له؟ و أي وطن ذاك هو الذي يملك، و أي وطن ذاك هو الذي يعشق هواه و ترابه، و يكتب له.
فالوطن اليوم برسم البيع، بوضوح و صراحة، أوطاننا كلها أمست برسم البيع، لنصل بعد ذلك إلى مرحلة ” البيعة الكُبرى” للوطن الأكبر .
من خلال قراءة الأحداث التي يعيشها لبنان اليوم، تتضح لنا عدة أمور، كان من المفروض أن لا تحدث في بلد يحاول النهوض و نفض غبار ما لحق به من ويلات عبر عشرات السنين، و لعل أبرز ما ظهر من خلال الأحداث الأخيرة التي جرت، ظهور ما يسمى الفتنة الطائفية الملحوظة و توزيع الحصص و تفتيت لبنان من منطلق أكثرية و أقلية، بل من منطلق فرض السيطرة على الآخر الضعيف.
فيتضح لنا من خلال الخطابات التي خرجت، أن بعض أصحابها قد راهن على شعب أمسى لا يعرف مع من يكون، و لا يعرف كيف له أن يعيش يومه بسلام، و راهن آخرون كثر على أطراف الصراع الرئيسي الخارجي، الذين أشعلوا نار الفتنة في بلد عاش مرحلة من مراحل الديمقراطية و الازدهار و الانفتاح، و كان له دور كبير و مميز في إثراء الساحة العربية بشتى الثقافات و العلوم، مما جعل عملاءً مباشرين و آخرين غير مباشرين مستغفلين يسعون إلى دمار هذا البلد العظيم بمكانته و إفشال دوره من نواحٍ كثير، والسيطرة عليه كجزء من مرحلة استعمارية جديدة يقف وراءها العالم الآخر؛ أمريكا و حلفائها من جهة و إيران من جهة أخرى.
فتسعى أمريكا لخارطة شرق أوسطية جديدة، لتمكين الصهيونية و الحد مما يسمى الخطر الذي يلحق بها و بمصالحها، و تسعى إيران كدولة عظمى يحسب لها ألف حساب اليوم، للسيطرة على لبنان و لتحقيق ما يسمى المثلث الشيعي من خلال تصدير الثورة، و لشرق أوسط على طريقتها الخاصة، مستغلة بذلك نسبة إخواننا الشيعة في لبنان و وضعهم من ناحية سياسية و عسكرية بعد أن دعمتهم من نواحٍ كثيرة، و خصوصاً حزب الله الذي يعتبر دولة قائمة بذاتها، داخل إطار الوطن الضيق.
إن المطلع على خطابات الساسة في لبنان يرى أن هنالك محاولة لإعادة لبنان إلى عام 1982، بدعوى تهميش فئة دون الأخرى، و محاولة لإنبات بذرة الطائفية، و إغلاق مرحلة متقدمة من مفهوم الديمقراطية التي أجادها لبنان بامتياز بمنأى عن الدول المجاورة.
حيث تتهم ” المعارضة ” أن ” الموالاة ” تسعى لتطبيق الأجندة الأمريكية و الغربية في لبنان اليوم، من أجل محو مفهوم المقاومة التي أمست صاحبة معانٍ كثيرة في خضمّ ما يعيشه عالمنا اليوم، و تتهم ” الموالاة ” بدورها ” المعارضة ” بأنها تطبق الأجندة الإيرانية من أجل السيطرة على لبنان و تصدير الثورة.
و يقودنا كل ما يحدق في لبنان إلى أن من يريد أن يفرض رأيه بالقوة، هو الذي يسعى لخراب لبنان، و من يريد أن يطبق سياسة بوش و أحمدي نجاد و غيرهم، هو الذي يسعى لخراب لبنان ودماره.
و يبقى الفيصل هو المراهنة على الشعب، كنقطة إيجابية، لإدراك الوطن، أما المراهنة على أمريكا، فهي خسارة ما بعدها خسارة، و المراهنة على إيران التي استغفلت العالم، بدءاً من أمريكا و دول العالم الآخر و انتهاءً بعقولنا من خلال طرح ما يسمى تحرير و مقاومة، متخذة من الصراع العربي الإسرائيلي و استعمار العالم الآخر للدول العربية ” من منحنيات عدة ” ذريعة و مستغلة بذلك عاطفة الشعوب العربية المغلوب على أمرها و التي تنتظر كما يقال من يأتي ليحررها و يشعل نار الثورة والكبرياء فيها لاستعادة أراضيها المغتصبة من قبل إسرائيل أو أمريكا، فالمراهنة على إيران أيضاً طامة كبرى، فقد شبعنا كلاما معسولاً و شعارات حتى أوشك الوطن على الضياع.
أن تراهن على شعب؛ أي أن زمن الإسقاطات قد ولّى ..
و أن تراهن على شعب؛ أي أن تملك وطنْ.
__________
أسامه طلفاح