كأنها تخرج للتو من الإعصار. هكذا بدت بيروت «الجريحة»، المهشمة الشوارع والمنكّسة الشرفات، تلملم فواجعها وتسارع الخطى ربما نحو المجهول. فما شهده الشطر الغربي منها على مدى ثلاثة أيام أصابها بذهول لم تصحو منه بعد.
«حزب الله» أحكم سيطرته العسكرية على العاصمة، يتقاسم السلطة مع الجيش الذي يحمي بعض المقار الرسمية والسياسية بـ «التراضي» بعد التراخي الذي مارسه حيال عمليات قضم المعارضة للشوارع والأحياء وسلطة الحكومة و«مناطق» الدولة ومنطقها.
تعددت الأوصاف لـ «وضع اليد» على بيروت. وثمة مَن يحلو له القول انه «اجتياح» او «غزوة» او «غزة ثانية» او «انقلاب»، فـ «حزب الله» في رأي هؤلاء أخضع العاصمة بالقوة وحاصرها وأقفل مداخلها وعزلها عن العالم وأحكم الطوق على زعامتها السياسية، في الوقت الذي يرى الحزب انه يدافع عن سلاحه بالسلاح ويعمل على تصحيح الخلل بـ «عملية قيصرية».
أكثر من 15 قتيلاً و45 جريحاً هي «فاتورة الدم» غير النهائية للعمليات التي شهدتها بيروت ولفت امس «تمدُّدها» جنوباً في اتجاه تخوم الجبل، ولا سميا في خلدة وعرمون وقبرشمون وبشامون.
وكان مسلحو «حزب الله» وحركة «امل» سيطروا كلياً على غرب بيروت وسط استمرار قفل الطرق في العاصمة التي خلت الا من دبابات الجيش اللبناني والملالات والمسلحين الملثمين او السافري الوجوه.
وظهر «على الارض» نجاح مسلحي المعارضة في إحكام القبضة على بيروت اذ ارتفعت في الاحياء التي كانت تعتبر معقلا للاكثرية، ولا سيما لتيار المستقبل، أعلام «حزب الله» و«حركة أمل» على الطرق واسطح الابنية في حين انتشر مسلحو التنظيمين الشيعييْن في الشوارع ومنها عائشة بكار والظريف والملا وزقاق البلاط وكورنيش المزرعو وفردان والحمرا والوتوات والسادات والظريف وعائشة بكار وتلة الخياط.
وشوهد عشرات مسلحي المعارضة على مقربة من تمثال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في المكان الذي اغتيل فيه (14 فبراير 2005) في عين المريسة.
ومنذ ساعات الصباح الاولى استطاع عناصر «حزب الله» و«امل» السيطرة على مبنى جريدة «المستقبل» وتلفزيون المستقبل، بعدما كانوا سيطروا على الحمراء وفردان، وشوهدت عناصر ملثمة تسيطر على مكاتب «تيار المستقبل» في هذه المنطقة.
وتزامن ذلك مع معارك دارت في شارع السادات، فيما سُمع اطلاق رصاص بين كليمنصو وكورنيش المنارة وفي الحمرا قرب «الكروان بلازا»، كما حصلت اشتباكات عنيفة في منطقة الظريف.
وعند العاشرة والدقيقة 42 سمعت طلقات نارية في محيط فردان وتلة الخياط، وشلت الحركة بالكامل في منطقة رأس النبع والسوديكو والقنطاري، وقطعت الطريق البحرية قرب اوتيل «مونرو» اضافة الى نشر قوة كبيرة من فوج المغاوير وعناصر الجيش اللبناني في محيط السرايا الكبيرة (مقر رئاتسة الحكومة).
وقام مسلحون من حزب الله باحتلال مركز لتيار المستقبل في منطقة الملا حيث أنزلوا صور النائب سعد الحريري والرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفعوا مكانها صور الرئيس السوري بشار الأسد والسيد حسن نصرالله، وهو المشهد الذي تكرر في اكثر من مكان في بيروت.
وفيما تحدثت المعلومات عن انخراط مسلحي الحزب السوري القومي الاجتماعي في أعمال الشغب في بيروت خصوصا في محيط منطقة كليمنصو (دارة النائب وليد جنبلاط)، هاجم مسلّحو «أمل» و«حزب الله» بعد الظهر مكتباً ومقهي لـ «تيار المستقبل» في منطقة الوتوات وأحرقوهما.
وقد ظهر في كليمنصو بوضوح انتشار مسلحين ملتمين ينتمون الى «القومي» ويحملون شعار حزبهم حيث عمدوا في بعض الاحيان الى التدقيق في هويات المارّة.
وفي كورنيش المزرعة، كثف الجيش اللبناني من انتشاره وقطع الطريق باتجاه العابرين باستثناء الآليات العسكرية والملالات التابعة للجيش اللبناني، ولم يسجل إطلاق نار فيها. وكان سُمع صوت اطلاق نار من المناطق المجاورة بعد تشييع احد افراد شرطة مجلس النواب الذي سقط ضحية الاشتباكات ويُدعى محمد طه، وعلى مقربة منها.
وفيما برز في مار الياس ظهور مسلحين تابعين لـ «حزب الله» وحركة «أمل»، اقتحم عناصر من الحزب السوري مقرا تابعاً لتيار المستقبل في شارع سبيرز واضرموا النار فيه.
وفي الطريق الجديدة (تابعة لـ «المستقبل») عمد الاهالي الى إخلاء منازلهم في محاولة لتحييد المنطقة عن الصراع القائم، وقد دخل اليها الجيش اللبناني وتمركز عند كافة مداخل المنطقة من المدينة الرياضية لغاية الكولا.
وشهد مرفأ بيروت انتشارا أمنياً لافتاً لعناصر
من أفواج المغاوير والمجوْقل واتخذت إجراءات أمنية مشددة على طول الخط الممتد من جريدة «النهار» مرورا بالبيت المركزي الكتائبي في الصيفي وصولا إلى المرفأ .
من أفواج المغاوير والمجوْقل واتخذت إجراءات أمنية مشددة على طول الخط الممتد من جريدة «النهار» مرورا بالبيت المركزي الكتائبي في الصيفي وصولا إلى المرفأ .
وعند الثانية عشرة والدقيقة 13 احرقت الاطارات ومستوعبات النفايات في منطقة عين المريسة وفي محيط فندق فينيسيا وسمعت اصوات اطلاق رصاص كثيف في الدنا.
وعلم ان مخيم المعارضة في وسط بيروت شهد حركة ناشطة للسيارات والعناصر الذين يرتدون لباساً مدنيا.
على صعيد آخر، أحكم الجيش اللبناني سيطرته في منطقة بشامون (جنوب بيروت) وتسلم مكتب «تيار المستقبل» بعدما حاول مسلحو «حزب الله» السيطرة على المكتب المذكور.
وبعد الظهر سجّل تبادل لاطلاق النار بين «حزب الله» و«أمل» من جهة وعناصر من «تيار المستقبل» في منطقة دوحة عرمون (جنوب بيروت).
وفي طرابلس (الشمال) تجمع عدد من الاهالي على اوتوستراد الملولة – باب التبانة وقطعوا الطريق بالاطارات المشتعلة احتجاجا على الوضع الامني المتردي في بيروت. وسادت حال من القلق والترقب الشديدين وشهدت المناطق الشمالية منذ الصباح الباكر تحركات شعبية توزعت بين طرابلس والمنية وعكار.
وكان التحرك الشعبي بدأ باعتصام نفذه أهالي بجنين لجأوا خلاله الى قطع الطريق بالعوائق والاطارات المحروقة.
وفي باب التبانة عمد الاهالي الى قطع الطرق في محلة الملولة شمال مدينة طرابلس واضرموا النيران بالاطارات المطاطية في عرض الطريق الدولية التي تربط مدينة طرابلس بالبداوي فالمنية فعكار، كما شهدت عكار تحركات شعبية مماثلة حيث عمد الاهالي الى قطع الطرق في كل من تل حياة والشيخ عباس، ورافق هذه التحركات لقاء علمائي في دار الفتوى في طرابلس برئاسة مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار.
ودعا بيان صادر عن المجتمعين الى التبني الكامل لمبادرة النائب سعد الحريري، معتبراً ان المبادرة تشكل اطارا مناسبا للحل ولأن رفضها ينذر بتصعيد لا تحمل عقباه.
وفي الجنوب وبعد فترة ما بعد الظهر فتح الجيش اللبناني الطريق بين صيدا والشويفات عبر الناعمة والجيه والسعديات.