اقر إنني اشعر ببعض النشوة للاهتمام الملحوظ بالذكرى الستين للنكبة الفلسطينية، لكن نشوتي وكغيري من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات ممزوجة ببعض الألم والتوجس وعدم الراحة من الطريقة التي يتعاطى بها البعض مع نكبتنا، وخاصة أولئك الذين حملوا على عاتقهم الدفاع عن حق اللاجئ الفلسطيني في العودة إلى أرضة التي هجر منها عام 1948 ، مما يضعهم إمام استحقاقات هذه الرسالة ولا يعفيهم من التزاماتهم تجاه تجمعات اللاجئين وبالتحديد في المخيمات التي باتت غير مقتنعة بالمنهج الانتقائي لهذه المؤسسات في تعاملها مع قضية اللجوء التي تتعرض لسلسة متواصلة من المؤامرات التي تستهدف تقويضها.
المؤكد أن برنامج إحياء ذكرى النكبة الذي وضعته نخب المؤسسات الأهلية التي لم تأخذ بعين الاعتبار إشراك القطاعات الواسعة من اللاجئين والمهتمين بهذا الثابت ما اوجد فجوة واضحة للذي لا يريد أن يغطي الشمس بالغربال، تلك الفجوة دفعت الغالبية الشعبية لأخذ دور المراقب من بعيد وكان الحدث لا يعنيها، لأنها أخرجت من دائرة المشاركة لتشعر أنها مجرد كورس لمعزوفة تفتقر للتناغم والجماعية.
الفوقية والمركزية ونفي الآخر ما يميز الأداء الذي يمسك العصا من الوسط من قبل بعض المدافعين عن قضية اللاجئين لدرجة اعتمدوا اضعف الإيمان كإستراتيجية لأدائهم الميداني الموسمي لتبرير وجودهم، فلا يكفي أن يطلوا علينا يوم في السنة وفي جعبتهم بضعة قبعات وشعارات تكرر نفسها مع كل ذكرى، لا يكفي أن تنظم المسيرات التي تعتمد طلبة المدارس أساسا لها، ولا يكفي أن نجاهر بالحق المقدس ورفض الحلول التي تتجاوزه.
لقد نادى الأديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني بان الإنسان قضية، والقضية من وجهة نظر كنفاني تعني التواصل المرتبط بالإنسان الذي يشكل محور رئيس في ديمومة القضية التي ترتبط جدليا بالإنسان، ومجرد استثناء الإنسان واقصد هنا مجموع الذين لهم مصلحة في تحقيق الأهداف المتفق عليها يعني الحكم بالإعدام على هذه القضية.
وبما أن الأيام القادمة تنذر بمخاطر أكيدة على الحلم اللاجئ، وخاصة في ظل المشهد التفاوضي البائس جراء الاختلال الواضح لصالح الإسرائيليين، والتسريبات التي تتحدث عن اتفاقات سرية في المفاوضات الجارية مع الإسرائيليين والحديث عن إجراء استفتاء فلسطيني حول أي اتفاق مع دولة الاحتلال التي تتنكر في كل مناسبة لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجروا منها، مما يدلل على حجم المخاطر التي تحدق بقضية اللاجئين، وهذا يعني إعلان حالة الطوارئ في أوساط اللاجئين الفلسطينيين وكل من يدعم حق العودة والتمسك بالثوابت الفلسطينية، من خلال عدم اقتصار إحياء ذكرى النكبة الستين على أسبوع فعاليات، وإنما الاستمرار بهذه الفعالية بإشكال مختلفة وعلى رأسها نزول فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والمؤسسات الفاعلة إلى الشارع وإحداث حالة من التفاعل والتواصل في المخيمات التي تشكل رأس الحربة في مواجهة الخطر القادم.
المطلوب من المؤسسات الناشطة في المخيمات إجراء تعديلات على نشاطاتها باعتماد التوعية والتثقيف ومتابعة المستجدات المتعلقة بهذا الملف ووضع الناس في صورة التطورات أول بأول، وان الأوان الوقوف في وجهة البرامج الموجهة التي تستهدف الوعي اللاجئ، بالضرورة أن تكون مؤسسات اللاجئين للاجئين، ومن المهم استحداث جهاز رقابي على الأداء الإداري والمالي للمؤسسات الغير حكومية الفاعلة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في فلسطين المحتلة، خاصة في ظل التعتيم والتسيب المالي الذي تعيشه بعضها الذي يعتمد على الفرد المتحكم بكل شاردة وواردة دون أية مسائلة.
بدون اتخاذ التدابير التي من شانها استنهاض الأوضاع في المخيمات الفلسطينية، وإعادة الاعتبار المعنوي لسكان المخيمات الفلسطينية بإشراكهم بكل ما يتعلق بقضيتهم، بدون ذلك سنسدل الستار بعد أيام على الذكرى الستين لنكبة الشعب الفلسطيني لتعود الرتابة والبيروقراطية المؤسساتية التي ستستثمر الحالة من مكاتبها المكيفة، لتطل برأسها بعد عام لتكرر نفسها بعيدا عن التجدد والإبداع والشراكة.