رغم فوضى الحياة وضيق الوقت، سارع اكثر من مائة وعشرين صحافيا واعلاميا من شطري الوطن، نحو المشاركة في حوار اعلامي فلسطيني مهني وديمقراطي، جاء كشعار للمؤتمر الاعلامي الفلسطيني الثاني، والذي تبنى مناقشة هل الاعلام الفلسطيني سلطة رابعة ام أداة في تأجيج الصراع الداخلي؟.
عندما وصلت افواج الصحافيين إلى أريحا وبدأت أعمال المؤتمر، واجه أغلب الحضور السؤال الأصعب، والذي عرفته بالكلمة التي تشرفت بالقائها باسم المؤتمرين تكريما لشبكة امين، بأنه السؤال المثقل بالتفاصيل الخانقة، هل حقاً نمتلك الرصيد المهني المأمول لانجاح هكذا حوار؟؟ فكانت الإجابة إلى حد ما سلبية، ربما لأننا نعيش مخاضا حاضرا هو بالاساس خلاصة اخطاء وخطايا ماضٍ ضعيف ومترهل، إلا أننا نحن الباحثون عن موطئ قدم لحوار فاعل، وإنْ كان مرتكزا على التراكمية، أخذنا نناقش في ظل بيئة إنتاجية تفاصيلا طالما تغاضينا عنها دون شطط في الغلو أو المبالغة، رغم طرح البعض منا أسئلة نكأت الجراح، خاصة فيما يتعلق بقضية نقابة الصحافيين تلك “المطية” إنْ جاز التعبير، التي راح أغلبنا يتسلق ظهرها دون لي فعلي لمواقفنا الناعية بلا دموع، وكأننا نحن السائرون على غير هدى، فقط رغبنا التحرش في اهم قضايانا، عوضا عن فض بكارتها.
ومع ذلك وشت بنا حرارة المناقشات خاصة ضمن مجموعات العمل، لتدفعنا نحو اتخاذ مواقف اكثر حزما باتجاه الفعل لا النعت فقط، فكان الاصرار على تحويل توصيات البيان الختامي إلى آليات تنفيذ تبدأ في اليوم الذي يلي الإنتهاء من أعمال المؤتمر ولمدة مائة يوم “إنْ صدقت النوايا”، للخروج بقانون ينظم عمل مهنة الصحافة، ولتكن تلك النقطة بالتحديد من أهم ما تمحض عنه المؤتمر الذي اكتشفنا خلاله “شئنا ام ابينا” أن هناك ثمة مؤسسات اعلامية وطنية، اخذت على عاتقها بشكل ايجابي أن تلعب الدور الذي من المفترض أن تلعبه النقابة، فكانت شبكة أمين الإعلامية مثالا حيا يجسد حالة كانت ولا تزال فكرة، لا نبالغ إن قلنا انها منذ سنوات وهي تراوح مكانها.. وبالرغم من ذلك لم نشكر شبكة أمين على واجب مهني قدمته لأسرتها الصحفية والإعلامية، ولم نجاملها حيث لم تجاملنا، حينما استطاعت جمعنا بين شطري الوطن لتدق ناقوس الخطر، عبر وضعنا جميعا امام مسؤولياتنا المهنية والأخلاقية.
ولعل النقد الذاتي والموضوعي الذي غلب على نقاشات مجموعات العمل إلى جانب الإجتماعات الجانبية، كان من اهم الشواهد على نجاح المؤتمر، رغم كثرة عوامل التشظي والتمزق التي نعيش تداعياتها على كافة الصعد والمستويات.
باختصار شديد إن مجرد انعقاد المؤتمر الإعلامي الفلسطيني الثاني، وضمن الآليات التي ستعبد الطريق وصولا إلى المؤتمر الثالث، كان بمثابة نقلة نوعية رممت إلى حد بعيد نسيج الجسم الصحفي في بلادنا، لينطلق العمل الإعلامي نحو سلطة رابعة.. لا أداة في تأجيج الصراع.