خالد حسن
لا أدري كيف يمكن وصف الوضع في لبنان اليوم، لكنه أقرب إلى “مشهد دموي في وطن ميت”، تسرح فيه أحزاب وعصابات وميليشيات، ومعها طوائف ومذاهب، يستغلها متاجرون سماسرة ومقايضون. وأما الوطن، فتحول إلى مجموعة شوارع تغصّ بناس غادروا منازلهم ولم يعودوا إليها. وقد شوهدوا بكثافة في مواعيد متقاربة، دون أن يجدوا من يلغي الشوارع ويعيدها وطنا، في محاولة لاسترجاعه
بقلم خالد حسن
لا أدري كيف يمكن وصف الوضع في لبنان اليوم، لكنه أقرب إلى “مشهد دموي في وطن ميت”، تسرح فيه أحزاب وعصابات وميليشيات، ومعها طوائف ومذاهب، يستغلها متاجرون سماسرة ومقايضون.
وأما الوطن، فتحول إلى مجموعة شوارع تغصّ بناس غادروا منازلهم ولم يعودوا إليها. وقد شوهدوا بكثافة في مواعيد متقاربة، دون أن يجدوا من يلغي الشوارع ويعيدها وطنا، في محاولة لاسترجاعه.
وهكذا استمر الوطن مجموعة شوارع، وقد فشل الحوار، ويا للأسف، في إلغاء الشوارع، وإعادة اللبنانيين إلى منازلهم، بدليل ما حصل خلال اليومين الأخيرين من اشتباكات، كادت أن تهدد الوحدة الوطنية، وتوقظ فتنة طائفية كانت نائمة، وهذه الشوارع ليست بنت لحظتها، بل هي من صنع أوصياء.
لبنان ساحة لـ”حروب الآخرين”، وكل ما يحصل في العالم والمنطقة، يدفع نحو مزيد من الاحتدام ويعزز موقع فريق على حساب فريق. ولا شيء يضاهي عنف الضغط الخارجي على سوريا ولبنان للتنازل عما هو شرعي في مواقفهما، إلا بؤس الأداء وتصفية الحسابات في الرد والممانعة والتصدي.
بصراحة، لا أعرف موازين القوى في هذا “لبنان الجديد”، لكن ما أعرفه أن كلفة المخاض ستكون عالية، وأن القلق يتزايد على المصير المجهول للبنان، وما يعنيه من تجسيد ـ لدى بعض القوى ـ لخيار يعاند إعادة هيكلة المنطقة.
دعنا نتساءل: هل يمكن أن تقوم دولة، يتصارع عليها رعاة كثر من الدول، بمصالحها وتناقضاتها؟ وهل أفادت لبنان الضمانات الأجنبية؟
وما يمكن قوله حتى الآن، هو أن القوى الضاغطة نجحت في إحداث انقسام وشرخ وتذمر لبناني.
من يتابع ما يجري في لبنان اليوم، لا يسعه إلا أن يرى سياسات دول، وإستراتيجيات، ومصالح، ولا يمكنه إغفال الاحتلال في العراق وفلسطين، ونوايا إعادة هيكلة المنطقة كلها.
ويوماً بعد يوم، يتأكد أن ما يعيشه لبنان، أزمة وطنية حقيقية، أزمة خيارات كبرى. والخطر، كل الخطر، أن يعتقد طرف ما أنه هو الحل، وليس طرفاً في معادلة صعبة تمر في مأزق. وليس ثمة مخرج من دون خفض التوترات والهبوط بمستوى التناقضات.
في مثل هذه الحالات، يُكتشف الرشد السياسي للقيادات، والهم الوطني الجامع، ومعنى وجود قوى وسيطة، وفي مثل هذه الحالات، يصبح المعنى الوحيد للقرارات الكبرى، هو التراجع عن الحدود القصوى والاستعداد لتقديم تنازلات.