عــبد الكـــريم عليــان ـ غزة فلسطين
[email protected]
هذا العنوان ليس من اقتراحي ، بقدر ما هو عنوان لما سمي ورشة عمل شاركت فيها مؤخرا عقدت في قاعة مؤتمرات فخمة على شاطئ بحر غزة الحزين ..! بالطبع لن أتحدث عن المؤسسة الراعية لهذه الورشة ، ولن أذكر الأشخاص الرئيسيين المتحدثين في الورشة ؛ لكن المشاركين أجمعوا أن مؤسسات المجتمع المدني لم تقم بأي دور يذكر في إنهاء حالة الانقسام الذي حصل في الساحة الفلسطينية وأثاره المدمرة على روح المواطنة في فلسطين وخاصة في محافظات قطاع غزة الذي مازال صامدا صابرا على بلواه ، وما برح يتحسس طريقة ما … للتخلص مما ألم به من أوجاع ؟! وكذلك اعترف المشاركون أن عشرات من ورشات العمل التي شاركوا فيها تؤكد أن : الجميع يشكو من حالة الوعي السائدة في المجتمع الفلسطيني ، وغالبيتهم ينتظر تحرك الجماهير نحو العصيان المدني أو مواجهة السلطة المتنفذة أو الحاكمة في غزة وإسقاطها بأي ثمن .. بمعنى أن هذه المؤسسات تبرر حالة العجز والجمود التي تصيبها ، كما أكد المتحدثون أن الانقسام زاد من الأعباء الثقيلة الملقاة على هذه المؤسسات .. هذا إذا أضفنا لها مجموع الأحزاب السياسية الفاعلة في غزة ، غير القوتين المتخاصمتين ( فتح ، وحماس ) !
سألت نفسي كثيرا : كيف يمكن لمؤسسات المجتمع المدني أن تقوم بدور كبيرٍ ، عجزت عنه دولا إقليمية رئيسية في المنطقة عن حل هذه المعضلة ؟ وكذلك عجزت جامعة الدول العربية عن القيام بهذا الدور في إنهاء حالة الانقسام التي أصابت الفلسطينيين ؟؟ بل على العكس تماما حسب ما هو معروف ونشر في وسائل الإعلام : أن العديد من المؤسسات قد أغلقت ، ومؤسسات أخرى قد شلت تماما عن القيام بوظيفتها ، وأخرى مهددة بالإغلاق ..؟ أما الشق الثاني من العنوان وهو : دور هذه المؤسسات في تعزيز المواطنة ؟ أيضا دورا رئيسيا من المفترض أن تقوم به مدارسنا وجامعاتنا وإعلامنا ومساجدنا ووزاراتنا .. وكل مؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية . فهل نحن بحق قادرون على تحقيق الهدف ؟
لا أعتقد أن السائد في ثقافة شعبنا بغزة لمفهوم مؤسسات المجتمع المدني ، هي الثقافة السائدة بالمثل عند الشعب الفرنسي مثلا … لأن السائد في عقول الناس هنا أن مؤسسات المجتمع المدني : هي تلك المؤسسات التي فتحت بتمويل خارجي ، ووظيفتها الأساسية تقديم الدعم والمساعدة للمحتاجين .. من هنا لا نعتقد أن هذه المؤسسات يمكنها أن تقوم بالدور الذي طرح كعنوان للمناقشة ، ولا نفهم إن كان هذا العنوان أقترح من قبل الأشخاص العاملين في المؤسسة بقدر ما هو مطلوب نقاشه من قبل الجهات الممولة لهذه المؤسسة ..؟ ولولا التمويل اللازم للقيام بهذه المهمة لما تم مناقشة هكذا مواضيع ..؟ من هنا يمكننا أن نفهم الدور المنوط بهذه المؤسسات وأثرها في المجتمع الفلسطيني .. وقد نعجب عندما نعرف أن مليارات الدولارات منحت لهذه المؤسسات ، لكنها لم تغير في البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع الفلسطيني ..! بينما لم تستثمر حركة حماس ربع المبلغ الذي منح لهذه المؤسسات عبر سنوات طويلة ونجحت في تغيير البنية الثقافية والاجتماعية في وقت أقل بكثير .. إذ أن العديد من عمر هذه المؤسسات أكبر من عمر حماس السياسي ؟؟
إذا بحثنا عن تعريف لمؤسسات المجتمع المدني ، سنجد أنها : جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة من أجل تلبية الاحتياجات الملحة للمجتمعات المحلية وفي استقلال نسبي عن سلطة الدولة وعن تأثير رأسمالية الشركات في القطاع الخاص، حيث يساهم في صياغة القرارات خارج المؤسسات السياسية ولها غايات نقابية كالدفاع عن مصالحها الاقتصادية والارتفاع بمستوى المهنة والتعبير عن مصالح أعضائها، ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الأدباء والمثقفين والجمعيات الثقافية والأندية الاجتماعية التي تهدف إلى نشر الوعي وفقاً لما هو مرسوم ضمن برنامج الجمعية . ومهما يكن فإن هذه المؤسسات يجب أن لا تحيد عن الشروط الأربعة التالية ـ كما جاء ذلك في ورقة العمل المقدمة في مؤتمر البناء الديمقراطي المقاوم بعنوان ” تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في الصمود “. رام الله ـ فلسطين 2002 :
1. يمثل العنصر الأول بفكرة “الطوعية” أو بكلمة أخرى المشاركة الطوعية التي هي بالأساس الفعل الإداري الحر أو الطوعي، وبهذه الطريقة تتميز تكوينات وبناء المجتمع المدني عن باقي التكوينات الاجتماعية المفروضة أو المتوارثة تحت أي اعتبار.
2. العنصر الثاني هو أن المجتمع المدني منظم: وهو بهذا يختلف عن المجتمع التقليدي العام بمفهومه الكلاسيكي. حيث يشير هذا الركن إلى فكرة “المؤسسية” التي تطال مجمل الحياة الحضارية تقريباً، والتي تشمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
3. العنصر الثالث يتعلق “بالغاية” و “الدور”: التي تقوم به هذه التنظيمات، والأهمية الكبرى لاستقلالها عن السلطة وهيمنة الدولة. من حيث هي تنظيمات اجتماعية تعمل في سياق وروابط تشير إلى علاقات التضامن والتماسك أو الصراع والتنافس الاجتماعي.
4. آخر هذه العناصر يكمن في ضرورة النظر إلى مفهوم المجتمع المدني باعتباره جزءاً من منظومة مفاهيمية أوسع تشمل على مفاهيم مثل: الفردية، المواطنة، حقوق الإنسان، المشاركة السياسية، والشرعية الدستورية…الخ.
لو قمنا بتقييم لهذه المؤسسات العاملة في غزة بناء على المفهوم والعناصر السابقة الذكر سوف
نجد أنها كانت تبتعد كثيرا عن الدور المنوط بها وبتأسيسها ، ومن الواضح أن غالبية العاملين في هذه الجمعيات يبتعدون كل البعد عن العمل الطوعي وروحه ، وحتى إن تأسست تلك الجمعيات ونظامها الداخلي على فكرة العمل التطوعي ، فهذا يكون فقط في بداية التأسيس وعند الترخيص والانتخابات التي في الغالب تجرى ويتم ترتيبها بطريقة العائلية والمجاملات والشللية . أما العنصر الثاني الذي يعتبر المجتمع المدني أكثر تنظيما ويختلف عن المجتمع التقليدي على اعتبار أن المواطنين بقدر ما يكونوا منظمين أكثر ، يكون المجتمع أكثر مدنيا ، ولو نظرنا إلى المجتمع الفرنسي نجد أن من بين كل أربعة فرنسيين يكون ثلاثة منهم منظمين ، أي ينتمون أو ينتسبون إلى تنظيم أو جمعية بشكل حر وطوعي ، أما هنا .. نلاحظ أن جمعياتنا تقوم بإبعاد المواطنين عن الانتساب لها نظرا للمفهوم السلبي أو التنافسي المبني على المصلحة الشخصية للأفراد ، وهذا ينطبق حتى على الأحزاب والتنظيمات السياسية ، وعلى وظيفة هذه الجمعيات الخدمية . والعنصر الثالث وهو : استقلالية هذه المؤسسات عن السلطة وهيمنة الدولة فالعكس تماما إذ أن المؤسسات في غالبيتها تتبع الحزب الحاكم ، أو الأحزاب الأخرى التي لم يتشكل عندها مفهوم المجتمع المدني ، لأن معظمها يعتبر أولويات عملها هو مقارعة الاحتلال بالمفهوم العسكري ؟؟ أما العنصر الرابع الذي يركز على الوعي وحقوق الإنسان والمشاركة السياسية والشرعية الدستورية ، إن أحصينا المنظمات التي تعمل في هذا المجال فنجدها كثيرة وكثيرة جدا وفي الغالب تكون هذه الجمعيات متخصصة ويعمل فيها كادر مهني كبير، لكن وظيفتها لم تتعدى التوثيق والأرشيف لمجموع القضايا القانونية سواء ما يتعلق بالأسرى والجرحى والشهداء وجرائم الاحتلال المختلفة ، وهذا شيء إيجابي لكنه يأتي من باب التوثيق وليس من زاوية العناية بالمواطن ونقله إلى درجة الوعي المطلوبة .. فعلي سبيل المثال تم تشريع العديد من القوانين الاقتصادية والأمنية والتعليمية التي أضرت بالصالح العام وبحقوق المواطنين .. أين دور هذه المؤسسات القبلي ( الوقائي ) مما يدور ويجري.؟
نظريا يمكن لمؤسسات المجتمع المدني أن تؤدي دورا في إنهاء حالة الانقسام وتعزيز دور المواطنة فيما لو كانت هذه المؤسسات نابعة من حاجة المجتمع وبتمويل ذاتي ، ومع ذلك كان لهذه المؤسسات دورا قويا في تعزيز صمود المواطنين خاصة في زمن الاحتلال وبعض من زمن السلطة ، ولا ننكر أن عددا كبيرا من العاملين في هذه الجمعيات هم من المواطنين مما يخفف بدرجة ما من البطالة المستشرية في قطاع غزة .. لكن هذه الجمعيات كانت سلاحا ذو حدين على المستوى العام لنا كفلسطينيين .. الحد الأول كان في تأجيل المواجهة الجماهيرية مع السلطة ( سواء في عهد الاحتلال ، أو عهد السلطة الوطنية ، أو العهد الحالي لسلطة الانقلاب ..) لأنها تغطي بعض النقص في تلبية الحاجات التي تسهل حياة المواطنين ، أما الحد الثاني كان في احتواء جزء كبير من الكوادر المثقفة والتي كان لها دورا بارزا في الحياة السياسية ولو من داخل التنظيمات السياسية العاملة في الساحة الفلسطينية ، وللأسف الشديد معظم من عملوا في هذه الجمعيات قد تركوا أحزابهم وتنظيماتهم بلا رجعة، وفي أحسن الأحوال كانوا يستغلون هذه الأحزاب لصالح مؤسساتهم التي يعملون فيها ، وكذلك عدد من هذه المؤسسات تحولت إلى بنك للمعلومات وإرسال التقارير لجهات غير معروفة مع أن هذه المؤسسات لم يكن ضمن اهتماماتها أو وظيفتها إرسال هذه التقارير … وأيضا عدد من هؤلاء العاملين حصلوا على جنسيات بعض الدول التي يعملون لصالحها .. إذن كيف يمكن لهذه المؤسسات أن تؤدي دورا إيجابيا يساهم في رفع درجة الوعي عند المواطن ليكون مشاركا إيجابيا متطوعا من أجل حياة أفضل وبدرجة يستطيع فيها التأثير في الحياة السياسية ..؟!