منذ مؤتمر أنابوليس وحتى اللحظة الراهنة ولقاءات القمة الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية،والزيارات المكوكية الأمريكية – الأوروبية تتواصل،ناهيك عن قنوات الاتصال السرية والعلنية،وكلها حتى اللحظة الراهنة لم تتمخض حتى عن إزالة”كرفان” استيطاني واحد،أو حتى في الجانب الإنساني وكما يحلو لعزيزة العرب”رايس”القول تحسين شروط حياة الفلسطينيين لم يلمس المواطن الفلسطيني إلا مزيداً من القمع والذل ،وفي اللقاء الأخير وضمن مسلسل اللقاءات المارثونية بين الرئيس الفلسطيني عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي”يهود أولمرت”،المنهك بالفضائح والرشاوي،والتي قد تطيح بزعامتة لحزب”كاديما” ورئاسة الحكومة،خرج علينا فريق السلطة الفلسطينية والذي يقود مفاوضات سرية وعلنية مع الإسرائيليين بتصريحات متناقضة،بل ومتعارضة كلياً،فعلى سبيل المثال لا الحصر شيخ “الديماغوجين” وما يسمى بكبير المفاوضين صائب عريقات يقول،بأن المفاوضات كانت جدية وعميقة وأحرزت تقدماً في القضايا الجوهرية،ونبيل ألو ردينة مستشار الرئيس قال أن المواقف ما زالت متباعدة جداً في القضايا الجوهرية، وعبدربه والبارع في القنوات السرية والتنازلات المجانية،قال بأنه لم يتم إحراز أي تقدم في المفاوضات،وأن إسرائيل تحاول إشاعة مناخات من التفاؤل حول أحرز تقدم في المفاوضات،استباقاً لزيارة بوش إلى المنطقة في الأيام القليلة القادمة،ومصادر أخرى قالت أن التقدم الوحيد والمزعوم هو فقط في قضايا الحدود والترتيبات الأمنية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية،أما القضايا الجوهرية مثل اللاجئين جوهر البرنامج الوطني الفلسطيني وقضايا المياه والأسرى والاستيطان لم يحصل فيها أي تقدم،وقضية القدس لم يجري بحثها والتطرق لها، وكذلك فإن هناك معلومات وتسريبات أن الرئيس عباس،عاد من واشنطن بعد لقاءه مع الرئيس الأمريكي بوش وطاقم الإدارة الأمريكية محبطاً ويفكر في الاستقالة، حيث أخيراً اقتنع بأن هناك انحياز أمريكي كامل لصالح إسرائيل،وما يجري لا يخرج عن إطار المشاغلات والمناكفات،وإعطاء الوقت للإسرائيليين،حتى يقوموا بتغير الحقائق والوقائع على الأرض،وهم يدركون أن المفاوضات الجارية،تجري في الوقت الضائع والإدارة الأمريكية لا تستطيع أن تفرض عليهم تقديم تنازلات جوهرية، وسيجري ترحيل ما يسمى بوعد بوش،حول إقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة إلى الإدارة الأمريكية الجديدة،والتي كالعادة ستحتاج إلى عام أو عامين على الأقل،لكي تتعرف على مواقف الأطراف المختلفة، ومن ثم تعاود طرح مبادرة جديدة ووعد جديد وهكذا دواليك، وبعد أن لا يتبقى شيء للتفاوض،ويبدو ان هذه السيمفونية قد أدمن عليها النظام الرسمي العربي الفاقد الإرادة والقرار والمستقيل من السياسة والمخصي عسكريا،وأيضاً هناك أطراف في الساحة الفلسطينية ،تستمريء هذا النهج وتتبارى وتتسابق في الدفاع عنه والترويج له وللإنجازات والمكتسبات المتحققة منه، وإذا ما استعدت إسرائيل لإزالة كومة تراب عن مدخل قرية فلسطينية ،أو إعطاء عدد من التصاريح للعمال الفلسطينيين للعمل في القدس وداخل الخط الأخضر،حتى يبدؤون بالتطبيل والتزمير،للانجازات والمكاسب الوهمية المتحققة من خلالها ،حتى أن هناك من وضع نظرية في هذا الشأن ،حول انجازات أوسلو ومن بعدها أنابوليس،ربما مفيد تدريسها في مساق حل النزاعات بين الشعوب سماها نظرية المسامير”الخوازيق” الأربعة،وعندما رأيته على شاشة الجزيرة،يصول ويجول كأنه”عنترة بن شداد” ويسهب في تعداد الانجازات المتحققة حسب نظريته،”استسخفت” نفسي وجهلي في السياسة،”واستسخفت” كل الذين ناضلوا وقاوموا،لماذا النضال والمقاومة ؟ما دام كل هذه الانجازات حصل عليها شعبنا،وصرت أشعر أنه من العيب أن نستمر في مطالبة الإسرائيليين بحقوقنا المشروعة.
إن ما يجري ليس أكثر من مفاوضات عبثية،يجري استغلالها من قبل إسرائيل وأمريكيا،لفرض شروطهما واملاءاتهما،والإجهاز الكامل على حقوق شعبنا،والواضح جداً أن هناك انسداد في أفق التسوية، وما تقوم به إسرائيل من ممارسات على الأرض،يجعل خيار الدولتين،أن لم يسقط فهو في طريقه للسقوط، وما تريده إسرائيل من هذا الخيار،هو دولة يهودية خالصة في فلسطين عام 1948 وأخرى للمستوطنين في فلسطين المحتلة عام 1967 .
ومن هنا فإنه على الذين يجلسون ويفاوضون الإسرائيليين بدون شروط مسبقة،ان يلتفتوا إلى الداخل الفلسطيني،ويعملوا على بذل كل الجهود من أجل استعادة الشعب الفلسطيني لوحدته السياسية والجغرافية،وتجاوز حالة الانقسام الداخلي،وما يترتب عليها من ضعف وتشرذم فلسطينيين،المستفيد الوحيد منهما الاحتلال الإسرائيلي،والذي يعمل على تعميقهما وتكريس حالة الفصل بين جناحي الوطن، والعمل على احتواء المقاومة في القطاع وتفريغ الضفة منها،فالكل من ألوان الطيف السياسي الفلسطيني،ومن ضمنهم طاقم المفاوضات نفسه،بات مقتنعاً بان الطرف الإسرائيلي حكومةً ومجتمعاً،غير ناضجين لصنع السلام أو تقديم تنازلات جوهرية من أجله،وأقصى ما يقدمونه للشعب الفلسطيني،هو “كانتونات” متقطعة الأوصال على مساحة لا تزيد عن
60% من مساحة الضفة الغربية،وبدون قدس ولا عودة لاجئين،بل وحتى سيادة،وهذا يعني أن الرهان على خيار المفاوضات من أجل المفاوضات،وطحن الهواء وخض الماء،لن يوصل إلى أي من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،وممثل النظام الرسمي العربي،الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى، قال ذلك بصراحة،عندما صرح بأن العملية السلمية بصيغتها الحالية قد فشلت، وكذلك الدعوات في القمة العربية الأخيرة في دمشق لمراجعة ما يسمى بالمبادرة العربية للسلام ،والتي ردت عليها إسرائيل في القمة العربية التي عقدت في بيروت 2002 ،باقتحام الضفة الغربية ومحاصرة الرئيس الشهيد الراحل أبو عمار في مقره بالمقاطعة في رام الله،دون أن يجرؤ أي زعيم عربي على مهاتفته خارج الأذن الأمريكي،أما القمة العربية الأخيرة في دمشق فاستبقتها إسرائيل،بشن غارة على ما أسمته مفاعل نووي سوري،ومن ثم اغتيال الشهيد القائد عماد مغنية على الأراضي السورية .
إسرائيل التي ترى نفسها دولة فوق القانون الدولي، والتي توفر لها ولممارساتها وعدوانها وقمعها للشعب الفلسطيني، أمريكيا وأوروبا الغربية الحضانة والتغطية السياسية والدبلوماسية والإعلامية،وكافة أشكال وأنواع الدعم الاقتصادي والعسكري،وكذلك انتقال عدد من دول النظام الرسمي العربي من مرحلة العداء لإسرائيل إلى مرحلة توفير الغطاء السياسي والمبررات لعدوانها على الشعب الفلسطيني،يجعلنا متيقنين بأن إسرائيل في مفاوضتها مع الطرف الفلسطيني،ما تريده ليس سلاماً، بل تسليماً كاملاً بالشروط الإسرائيلية لهذا السلام المزعوم، ولذلك بات من الضروري وقف مسلسل المفاوضات العبثية الضارة،والتي لن تقربنا خطة واحدة نحو الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني ولأمتنا العربية،ولا خيار أمام الشعب الفلسطيني‘إلا التوحد والدفاع المستميت عن حقوقه وثوابته الوطنية،والتي عمدت وما زالت تعمد بالدم والنضال المستمر والمقاومة المشروعة.
راسم عبيدات
القدس- فلسطين
8/5/2008