لم أكن أتصور إطلاقا أنه عشية ذكرى مجازر 08 ماي 1945 تخرج علينا جريدة تصدر من وهران وتحمل إسما استعماريا، وملطخة بدماء شهدائنا الأبرار، ورخص لها من قبل بعض الخونة عندنا، لمعاودة الصدور في عز الاستقلال، لم أكن أتصور أنها ستتجرأ على نشر صورة للعلم الوطني الجزائري مشوها برمز داء السيدا.
بكيت بحق لما رأيت صورة علم بلادي بهذا التشويه، فكيف يعقل يا عباد الله ويا مسؤولي الجزائر أن يوضع رمز داء السيدا فوق العلم الوطني في صدر جريدة كانت تصدر في العهد الاستعماري، وتنشر بالبنط العريض خبر إعدام شهدائنا الأبرار، وعلى رأسهم أول شهيد بالمقصلة، أحمد زبانة.
تفاجأت بحق لما رأيته، من تدنيس للعلم الوطني الذي طهّرته دماء مليون ونصف من الشهداء الأبرار، وتعجبت كيف أن هذه الجريدة التي تمثل بقايا الاستعمار الفرنسي في الجزائر تجرؤ اليوم على إهانتنا ونحن نتوهم أننا حققنا استقلالنا؟ فأين هي سلطات بلادي الذي من واجبها حماية ذاكرتنا الجماعية، وحماية سيادة هذا الشعب؟
هذه هي حقيقة الجزائر المستقلة، تقبل بالإهانة، والمذلة، من قبل حثالات لا أصل ولا دين لهم، وإنني على يقين بأن مسؤولينا سيقدمون بعض الصغار في هذه الجريدة كقربان للتمويه على جريمتهم في حق الشعب، فمن غير المستبعد والحال كذلك أن يمسحوا دم الضحية في أحد الصغار، وأنا أعلم من موقعي كمجاهد وابن قائد ثوري، أن مثل هذه الجريمة لا يمكن أن تنفذ إلا بأوامر «الكبار» الصغار، في عيون الجزائريين، فعنوان استعماري كهذا من غير القانوني ومن غير المعقول أن يرخص بصدوره لولا أن القوى الحاقدة على استقلال الجزائر ، ساندته ودعّمته، وهذا ما يعيدني الى التساؤل عن هوية من رخص بالإصدار، وهوية من يتحكم في سحب الجرائد في بلادي؟ فلنفرض أن الجريدة إياها نشرت موضوعا معاديا للسلطة، فهل كان بإمكاننا تصور إمكانية سحبه في ذلك اليوم؟
بكل تأكيد هذا من المستحيلات السبعة، لكن الدّوس على كرامة الشعب الجزائري، وتاريخه من قبل جريدة أحياها الأقدام السود الذين قتلوا أجدادنا وآباءنا وجداتنا وأمهاتنا وإخوتنا، لا يمكن إلا أن يؤكد لنا من جديد أن أذناب الاستعمار الفرنسي لا يزالون يتحكمون في مؤسساتنا السيادية وهذه هي الطامة الكبرى.
شخصيا لن انتظر تحرك المتسلطين على رقابنا والذين سمحوا بسحب هذه الجريدة بكل ما حملته من إساءة لكل جزائري حرّ، بل إنني سأبادر برفع قضية أمام عدالتنا الجزائرية، وسأضعها على المحك، وسأسائلها هي الأخرى كيف أنها لم تتحرك تلقائيا للدفاع عن تاريخ هذا الشعب، فهي أي العدالة من ترخص بسحب النشريات، فكيف بها سمحت بصدور هذه الاهانة في حق الجزائريين؟ وغداة زيارة وزيرة الداخلية الفرنسي إلى الجزائر؟
وتبعا لكل ذلك يحق لي أن أصرخ وأقول أين أنت يا مصطفى بن بولعيد؟ أين أنت يا العربي بن مهيدي ؟ أين أنت يا السي الحواس، أين أنت يا سي علي ملاح؟ ويا جغلالي ؟ ويابوقرة؟ وياسي لخضر؟ وياسي الميلود، ويا سي لخضر عبيد؟ ويا كل رموز هذا البلد الحبيب؟
جمال الدين حبيبي