المسببات مختلفة ولكن النتيجة واحدة لجدية استقالة الرجلين وتخليهما عن موقعهما في قيادة كل منهما لما يسمى مشروع السلام وبالمعنى المباشر مشروع الأمن الصهيوني .
– أولمرت الذي اتهم قبل سنوات بملفات فساد واستدعي لمقر شرطة الكيان الصهيوني منذ أيام تحت هذه البنود وهذا أخرها وليس بآخرها حيث أصيبت أجهزة الاعلام المختلفة بالحيرة من اجراءات التكتم التي أحيطت بالتحقيق .
ولكن هل ملفات الفساد هي الدافع وراء امكانية استقالة أولمرت أو توقيفه عن رئاسة وزراء الكيان الصهيوني أم هناك أشياء أكبر من تلك الملفات تمس جوهر وجود هذا الرجل على رئاسة وزراء الكيان الصهيوني ، بالتأكيد أن ملفات الفساد الذي أتهم من قبله فيها شارون ونجله لم تكن هي التي حددت نهاية شارون ولم تكن ملفات الفساد أيضا ً هي التي حددت نهاية اسحاق رابين بل هناك ما هو أعظم .
توقع المراقبين من تقرير فنو جراد أن يسقط أولمرت ويسقط بيرتس وتصعد ابنة الموساد الإسرائيلي لفني إلى رئاسة الوزراء ولكن تقرير فنو جراد أسقط بيرتس من وزارة الدفاع وأسقطه من رئاسة حزب العمل ليحل محله باراك ، وتدخلت أمريكا لانقاذ أولمرت والحد من جموح ليفني ، هذه الحسناء التي تروق للكثير من الزعماء العرب وغير العرب .
ولكن هذه المرة يبدو أن أمريكا لم تتوسط في الصراع الدائر بين أقطاب العصابات الصهيونية ، ففي الشهر الماضي تعرضت ليفني لكلام قاسي من رابين حيث قال لها ” أنت لا تفهيمن في شؤون الأمن واتركي الأمن والدفاع لي ” ، ولكن ما هو التحول المفاجئ الذي طرأ على حالة أولمرت ورئاسته في هذه الأيام القليلة ، هل هو نتاج تراكمات منذ هزيمة الجيش الصهيوني في جنوب لبنان وهل هي اخفاقات أولمرت في قيادة المواجهة مع المقاومة في غزة أم التصريح الذي تحدث به مؤخرا ً عن نيته بالانسحاب من الجولان وهذا ما لا ترغب فيه أمريكا ورابين وموفاز وتأتي تصريحاته عكس توجهات برنامج البيت الأبيض الأمريكي الذي لا يحبذ الانسحاب من الجولان إلا بعد تقديم سوريا تنازلات في الساحة اللبنانية والفلسطينية والعراقية وتحديد موقفها من النظام الإيراني وكذلك الخلاف الدائر على المياه في هضبة الجولان ، ويبدو أن وزير النية التحتية أليعاز هو الذي يؤيد رؤية أولمرت بالانسحاب من الجولان ضمن اتفاق صارم ترعاه أمريكا وكذلك عملية اللعب على المسارات التي تعودت إسرائيل عليها منذ زمن لاختراق الواقع العربي والبرنامج العربي ، إسرائيل تسعى للهروب من التزاماتها نحو ما يسمى ” خارطة الطريق ” وحل الدولتين ” وفي وجهة نظرها أن الرئيس بوش أصبح في منظومة الكهولة الرئاسية وبالتالي حاول أولمرت التمرد على رؤية بوش المجحفة أصلا ً بحق الفلسطينيين ، لم تحترم إسرائيل ما قدمه بوش لها من أهمية حول المستوطنات وما وفره لها من أمن في رؤيته وبرنامجه التي تساوي بالأهمية وعد بلفور الأول ولذلك إسرائيل تحاول اللعب على ضعف الرئيس الفلسطيني عباس لتحول رؤية الدولتين إلى رؤية كنتونية حدودها القاطعة حواجز قوية مع تدخل أمني مباشر لحماية منظومة أوسلو التي ستصبح منظومة ادارية أمنية لقيادة المناطق المحتلة بديلا ً عن الحاكم العسكري السابق ولو أن الحكام العسكريين الإسرائيليين مازالوا يمارسون صلاحياتهم من خلال مؤسسات السلطة في رام الله على المستوى المدني وتنظيم العلاقات عن طريق الادارة المدنية وكذلك الانشطة الأمنية عن طريق الربط بين تقاطع المعلومات وبرمجياتها .
وللعودة للخلف عدة سنوات استطاع متطرف صهيوني أن يغتال اسحاق رابين رجل الحرب الصهيونية ورجل سياسة تكسير العظام بحق المقاومين في الانتفاضة الأولى في نهاية 1987 واغتيل على خلفية اتفاق أوسلو ، وأتى شارون الذي اتهم بملفات فساد أيضا ً وتم اغتياله سياسيا ً وجسديا ً في علمية غامضة تحرص دوائر الأمن الصهيوني على وجوده حياً في غرفة الانعاش المستمر ، فهل تم اغتيال شارون لملفات الفساد أم لشيئ أعظم هو الانسحاب من غزة وتفكيك المستوطنات فيها على كل الأحوال فإن ما تعرض له شارون وما تخده من مواقف نتيجة صمود غزة والمقاومة الفلسطينية في غزة .
ولكن سؤال يطرح نفسه بقوة من يحكم إسرائيل هل هي منظومة الديمقراطية المصطنعة أم هناك لوبي ومافيا سياسية أمنية يدخل فيها المتطرفون في وضع القرارات الحاسمة للقيادة الصهيونية عند تجاوزها ما يسمى ” الخط الأحمر ” فالديمقراطية الصهيونية ديمقراطية مصطنعة وهي عبارة عن منشيتات لا تخص الجوهر .
اعتقد أن استقالة أولمرت وكما يصفه الإسرائيليين الرجل الضعيف باتت محققة لصالح لفني ولن يكون لحزب العمل وباراك حظ فيها بل سيسعى باراك لإفشال برنامج لفني الذي يسعى لإعطاء بعض الصلاحيات المحلية للسلطة الفلسطينية في رام الله وسيقوم بمزيد من التصعيد في مدن الضفة وتكثيف الحواجز وتصعيد على غزة ،فلقد تحول باراك من رجل يدعي بالسلام إلى رجل متطرف
الرئيس الفلسطيني عباس مؤسس مدرسة أوسلو والمنظر لها ومهندسها كما يقال ،فمثلما أتى أولمرت لرئاسة وزراء الكيان الصهيوني أتى الرئيس الفلسطينية على أثر عملية مشابهة في السيناريو والنتائج بإغتيال أبو عمار كما أغتيل شارون وأولمرت رجل ضعيف وعباس رجل ضعيف أيضا ً تقوده مجموعة مرتبطة بمنظومة إقليمية ودولية من رئاسة الوزراء إلى المستشارين .
هدد الرئيس الفلسطيني أكثر من مرة بنيته تقديم الاستقالة وكما نشر في بعض الصحف وفي زيارته الأخيرة للب
يت الأبيض الأمريكي “صاح في وجه بوش وقال له شفولكم رجل غيري ” ، وبرغم محاولة تلميع جديدة للرئيس الفلسطيني في أجهزة الاعلام وتصويره كرجل بطل وشجاع إلا أن الحقيقة التي يفهمها رجال الأمن والسياسيين والمفكرين تدين تلك الجملة التي لا نعلم قد قالها بصوت عالي أو منخفض بل تدل على أن آلية السلطة هي بقرار إسرائيلي أمريكا امتداداه اتفاقية أوسلو .
عاد الرئيس الفلسطيني من أمريكا بخيبة أمل كبيرة واحباط شديد وحالة اعياء لأنه اكتشف أن الوعود الأمريكية مجرد سراب وغير ممكن استفادة السلطة من أي وعود طرحها بوش ، فقد طرأ تحول على السياسة الإسرائيلية في الاستطيان والمواقف السياسية والأمنية ولم يبقى لبرنامج أوسلو أي منفذ لتثبيت وجوده في أوساط الشعب الفلسطيني سوى قضية واحدة هي قضية الأموال والرواتب والتي يجب على الرئيس الفلسطيني أن يدفع مقابلها الاستمرار في عمليات الامن بحق المقاومة في الضفة ومحاولة توقيف واعاقة المشروع المقاوم للفلسطينيين .
ومقابل اجراءاته في الضفة ومحاولة تنييم التجمعات السكنية الفلسطينية والحيلولة دون مساهمتها في مشروع المقاومة فإن مشروع المقاومة في غزة أثبت جدارته في ادارة الصراع على المستوى العسكري وعلى المستوى السياسي ، وكثير من الأصوات الصهيونية بدأت تنادي بوجوب التفاوض مع حماس والجهاد وفصائل المقاومة تحت توفير الأمن لسكان سديروت والمجدل أي إسرائيل قبلت بحل أمني مقابل توفير الأمن للمستوطنين وهذا ما قامت عليه إسرائيل وتحرص عله وفي اعتقادها أنه هو المؤشر الهام لاستقرار المجتمع الصهيوني .
لم تكن مسيرة عباس واجراءاته ميسرة أمام معارضيه في الساحة الفلسطينية وفي داخل حركة فتح فإذا كان أولمرت اتهم بعدة تراكمات من الفساد المالي والبرمجي فإن الرئيس الفلسطيني مسأل أمام الشعب الفلسطيني وكوادر حركة فتح على ما أصيبت به الكينونة الفلسطينية والانفصال السياسي بين الضفة الغربية وغزة وكذلك مؤثرات سياسته على البنية الداخلية لحركة فتح ومنظمة التحرير ومسؤوليته المباشرة على ملفات الفساد لمستشاريه وبعض من اللجنة المركزية كما قال أحد الكتاب أنهم أصبحوا كآلهة الكفر ، الرئيس الفلسطيني مسؤول مسؤولية مباشرة عن كل الاخفاقات والخسارات التي أصيبت بها الكينونة الفلسطينية ، تحدثنا في السابق قلنا على الرئيس الفلسطيني أن يستقيل وينهي مهزلة السلطة في رام الله ويسلمها لمشروع المقاومة فليس بيننا وبين الرئيس أي خلاف على المستوى الشخصي فإذا قام بذلك فإنه قد اختار الجانب الذي سيبرءه التاريخ ” والحسنات بذهبن السيئات ” هذا إذا كان الشعب الفلسطيني قد تسامح على ما حققه برنامجه من خسارة للشعب الفلسطيني وللمقاومة وعلى كل الأحوال بإمكان الرئيس الفلسطيني أن يذهب لأي عاصمة عربية أو أوروبية لينهي حياته بدون بصمات دامغة تدينه للأبد .
الرئيس الفلسطيني أيضا ً قد تجاوز الخط الأحمر وبما كان لقائه مع أولمرت اللقاء الأخير أو قبل الأخير لانقاذ أخر نفس في برنامجه وبرنامج أولمرت أيضا ً جميع كوادر الحركة يأملون في المؤتمر العالم الحركي بإعادة مشروع وبرنامج المقاومة ولذلك نأمل من الرئيس الفلسطيني ألا يحضر المؤتمر الحركي العام”ويأخذها من قصيرها “ولان المتغيرات في اسرائيل لن تجعله يستمر في طرح برنامجه ولأن برنامج المقاومة يزداد صلابة يوم بعد يوم وانتشارا واعترافا من الدول الإقليمية والدولية .
لذلك نعتقد بأن الأصح أن يقوم الأخ المفوض العام أبو ماهر اغنيم بإستلام مهامه الحقيقية في قيادة حركة فتح داخل الوطن وخارجه وأن يتجرد من جميع المعوقات التي أحالت دون تنفيذ برنامج التنظيم الرافد الأساسي للمقاومة ، وآن الآوان أن يتخذ مثل هذا الموقف ونحن نعلم أنه قرار معقد تدخل فيه حسابات اقليمية ودولية ولكن نقول أن قرار الثورة هو قرار صناعة فن المستحيل وهو القرار الذي سيحترمه التاريخ والشعب الفلسطيني ، ونقول تقدم أيها المفوض العام قبل أن تدخل في قفص الاتهام .
وان ذهب أولمرت وذهب عباس كما ذهب الأخرون فالبقاء دائما ً لمشروع المقاومة حتى تحقيق النصر وعودة اللاجئين والقدس وانهزام المشروع الصهيوني واقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية على أرض فلسطين .
بقلم/م.سميح خلف
عضو اتحاد الاعلام العربي
عضو اتحاد المدونين العرب