,وكان همه أن يستطيع تكوين أسرة سعيدة في ظل خيمة بالية,وتزوج عمي عبد الفتاح من قرية كرتيا المجاورة,وبدأ حياة الكدح والتعب ,وجاءت البنت الأولى والثانية والثالثة…..وعمي كان يطمح بولد يحمل اسمه من بعده واسم أبيه وجاء الصبي بعد طول انتظار, واسماه محمد وواصل عمي العمل بجد من اجل حياة كريمة ورزق بالبنات تباعا وكبر محمد وأصبح شابا يافعا وكان بحق سند والده وعندما بلغ سن الثامنة عشر خرج لمعترك الحياة العملية بعد أن أتم دراسته الثانوية , ….وكم كان فرحا عمي عبد الفتاح بهذا الشاب اليافع الجميل ,ولكن ربما الأقدار تخبئ للإنسان دوما ما لا يريد,وهنا بعد خروج محمد للعمل وبدل أن يصبح سندا للأسرة في زيادة دخلها فجعت العائلة بفقدان محمد عندما غرق في إحدى برك المياه……….وعاد محمد للبيت ولكن جثة هامدة …وهنا وقف عمي عبد الفتاح على قبر ابنه الوحيد لا يعلم ماذا يفعل ….وغير مصدق ما حدث….وضاع حلم السند الوحيد له بعد سبع بنات وعاد إلى البيت مكسور الحال بل انه قام بتغيير مقر سكنه ,ورحل من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب محاولا النسيان ,ولكن هيهات هيهات أن ينسى الرجل فلذة كبده, وهنا بدا بتزويج بناته لاقرباءه من العائلة ومن عائلة زوجته ,وبشرته زوجه بعد وفاة محمد أنها حامل فكم كانت سعادته عندما أنجبت له زوجه الولد الثاني ولكن ما زال الأول لرحيل محمد عنهم ,وبعد أن شاور زوجه سماه عوض …أي أن الله قد عوض عليهم بعد وفاة محمد بهذا الصبي , جميل الطلة وأشقر الشعر ويافع الطول ….كلها أوصاف كانت في القادم الجديد عوض ,وأكثر من ذلك منحه الله عقلا راجحا وموهوبا ذكيا بالفطرة .
وأصبح عوض هو الشغل الشاغل لكل العائلة لأنها لا تمتلك غيره …وبحرص شديد وخوف أكثر مما يتوقع أي إنسان كان عمي عبد الفتاح يرعي ذلك الفتى اليافع ….ولم يخيب عوض ظن والديه فيه فكان نعم الابن في السمع والطاعة ,وتفوق في التعليم وكان دوما في المركزالاول دون منافس وشق طريقه في الحياة بإصرار منقطع النظير , وجاءت الانتفاضة الأولى وسقط الشهداء وعمي عبد الفتاح يده على قلبه , فعوض يجب أن يخرج يوميا من البيت للذهاب للمدرسة والمدرسة تقابل معسكرا للجيش الصهيوني …والمظاهرات شبه يومية والشهداء يسقطون برصاص الاحتلال……الخوف الذي ملئ قلب عمي عبد الفتاح لا يمكن أن يتصوره إنسان فعوض هو كل ما يملك عمي عبد الفتاح….ومن حبات العيون مضت الانتفاضة الأولى وخرج عمي العجوز ألان منتصرا لأنه استطاع الحفاظ على الدرة التي عاش كل عمره حتى يراه شابا يافعا وسندا قويا ,,ونجح عوض في اختبارات الثانوية العامة وكان بمقدوره دراسة الطب أو الهندسة مثل اغلب المتفوقين من جيله ولكن عدم وجود التخصص في البلد دفع والده أن يدرسه الموجود,لأنه لا يريد أن يدرس عوض خارج البلد فتجربة محمد الذي خرج للعمل وعاد ميتا لا تزال ماثلة أمامه ,نعم والتحق النابغة عوض بالجامعة ,ودخل قسم العلوم تخصص فيزياء,وكالعادة تفوق وأبدع …ومع كل سنة تمر كان عمي عبد الفتاح يريد أن يرى ابنه قد تخرج وتزوج وأنجب أطفالا ………نعم كان يريد أن يرى ثمرة فؤاده وكل ما يملك من الدنيا رجل ولو في غير وقته فالعمر يمر وينقضي والسنوات الأربع في الجامعة طويلة ,وهنا تتدخل الأخوات والوالدة في الضغط على عوض وهو ما زال في السنة الثانية للجامعة من اجل إقناعه بالزواج لخصوصية وضعه….وبعد اخذ ورد وافق عوض نزولا عند رغبة أهله الذين كانوا يحملونه برموش العين ,ويصبح عوض الطالب الجامعي أبا بعد سنة والكريم يعوض عليهم فأنجب عوض تؤما ولد جميل وبنت رائعة…. واسمي الولد محمد والبنت راما .
وواصل عوض حياته وعمي عبد الفتاح الدعاء له والرضا المنقطع النظير عنه وكذلك الوالدة التي تحملت الكثير ,وتخرج عوض من الجامعة متفوقا كما عود أبويه ,ويبدأ العمل مبكرا ….نعم بعد شهور قليلة التحق عوض بوكالة الغوث ….وأصبح الحلم حقيقة بالنسبة للرجل العجوز…فها هو ابنه قد حصل على شهادة وتوظف معلما وهذا غاية المنى في ظل الاحتلال.
وجاء المولود الثاني احمد وكأن الدنيا ضحكت لعمي عبد الفتاح أخيرا وعوض يترقى ليصبح معلم المرحلة الإعدادية ..ويأتي محمود وعمي عبد الفتاح يكاد لا يصدق عينيه فعوض وحده أتى بكل ما تمنى والده من قبله وهو وحيد كان وأنجب وحيدا بقي ,ولكن عوض حطم هذه المعادلة وأنجب ثلاثة من الذكور ومنحه الله اثنتين من البنات ,وعوض كما قلنا شاب طموح ذو ذكاء خارق واصل تحقيق طموحاته وعمل في العديد من المؤسسات العلمية منها منتدى العلماء الصغار واشرف على العديد من الدورات العلمية في فرع تكنولوجيا الملومات وكان مخلصا في عمله إلى ابعد الحدود الممكنة ,وتقدم لاختبارات الوكلاء وأصبح وكيلا ..أحبه كل من عرفه وتعايش مع الجميع بذات الروح وعمي عبد الفتاح ما زال خائفا على وحيده .
وقام عوض مع مجموعة من العلمين المخلصين بتشكيل منتدى المعلم الفلسطيني كأول
إطار نقابي جمع معلمي الحومة والوكالة معا …وأبدع نعم منحه جل وقته وصنع اسم لا يمكن أن يتجاوزه احد بسهولة وقدم العديد من الخدمات المجانية والمقسطة الدفعات للمعلمين . وفي شهر رمضان من العام الماضي وقبيل آذان المغرب قصف الاحتلال سيارة مدنية بالقرب من مركز شرطة المدينة ونجا من بدخلها .
وفي العام الأخير أصبح عوض ناظرا نعم وعنده من العمر ثلاث وثلاثين عاما فقط اصغر من شغل هذا المنصب في الوكالة .
وفي يوم 30/4/2008يوم الأربعاء تخلف عوض عن الذهاب للمدرسة تاركا الوكيل المساعد يقوم بالمهمة فذهب عوض للبنك كي يتقاضى راتبه ويذهب بعدها للعمل؟؟؟!!! نعم يذهب بعدها للعمل الذي كان لا يعلمه احد …كان عوض يعمل في صناعة الصواريخ..بل انه كان المسوؤل التقني الأول لدى سرايا القدس .. كيف ومتى ؟؟؟!!وما الداعي لشاب وحيد أبويه أن يمارس هذا النوع من العمل وهو مرتاح من جميع النواحي الحياتية !!!!!
وأثناء العمل الذي كان يجريه عوض المعلم والناظر والأب والوحيد لأسرته كانت طائرات الاحتلال تحوم في المكان وواحد اثنان من الصواريخ أطلقت كي تسجل اجمل نهاية لعوض وكي يعود عمي عبد الفتاح الذي فقد محمد شابا ليفقد الناظر عوض مهندسا ومقاوما
وضاع الحلم وعاد عمي عبد الفتاح وحيدا دون عوض وعلمنا الآن سر الخوف والقلق الذي كان يحاصر عمي عبد الفتاح ..كما علمنا أن الذي نجا في رمضان قبل شهور كان عوض عبد الفتاح القيق.