أيمن عبد المعطي
بشكل عام كان صلاح جاهين طالبًا مجتهدًا رغم اهتماماته العديدة وعدم رضاه عن الأساليب التقليدية في التعليم وترحال الأسرة الدائم بسبب عمل والده في السلك القضائي، فقد حصل صلاح جاهين علي الابتدائية من أسيوط وعلي الثقافة من المنصورة، والتوجيهية من طنطا.
انطلاقًا من اقتناع صلاح جاهين الراسخ بعدم جدوي التعليم بالأساليب التقليدية ورغبته في دراسة ما يهوي، كان رفضه الشديد لضغط والديه عليه بدراسة القانون ولم يستطع فعلاً بعد ثلاث سنوات في السنة الأولي من كلية الحقوق إستكمال دراسته وكان رفضه هذه المرة قاطعًا لمحاولات والديه إقناعه بالعدول عن قراره، وهو ما أسفر عن مشادة عنيفة بينه وبين والده غادر صلاح جاهين المنزل علي إثرها دون إطلاع أحدًا علي مقصده. فتوجه لبيت الفنانين بوكالة الغوري ثم سافر لعمه بغزة، وقضي فترة هناك عاد بعدها إلي القاهرة حيث قرأ إعلانًا عن وظيفة مصمم مجلات بالسعودية، فتقدم لها ثم سافر دون أن يخبر أحدًا، ولم يعلم والداه إلا بعد سفره بالفعل. ثم عاد مرة أخري لمصر بعد أن تلقي خطابًا من والده يحثه فيه علي العودة. كذلك التحق صلاح جاهين بكلية الفنون الجميلة ولم يكمل دراسته فيها أيضًا. بدأ صلاح جاهين حياته العملية في جريدة بنت النيل، ثم جريدة التحرير الصادرة عن دار الهلال. واكب هذه الفترة صدور أول دواوينه “كلمة سلام” في عام 1955. وفي منتصف الخمسينيات بدأت شهرته كرسام كاريكاتير في مجلة روز اليوسف، ثم في مجلة صباح الخير التي شارك في تأسيسها عام 1957. ثم انضم في مارس 1964 لأسرة جريدة الأهرام ليكمل مسيرته فيها. كما نال وسام الفنون في عيد العلم عام 1965.
كانت رسوم صلاح جاهين الكاريكاتيرية مؤثرة للغاية، لدرجة إحداث أزمات سياسية عديدة كان من أبرزها اختلافه مع الشيخ الغزالي بالكاريكاتير عند مناقشة مشروع الميثاق في عام 1962، فاستباح طلاب الأزهر دم صلاح جاهين وتظاهروا وتجمهروا أمام جريدة الأهرام. كما أجري معه المدعي العام الاشتراكي تحقيقًا بسبب كاريكاتير انتقد فيه تقريرًا حول نتيجة التحقيق في شأن تلوث مياه القاهرة.
و كان صلاح جاهين علي شفا دخول المعتقل، فقد وُضِع اسمه علي رأس قائمة المعتقلين أكثر من مرة – نظرًا لما يعرف عنه من ميول يسارية ونقد للنظام – لولا تدخل الرئيس جمال عبد الناصر شخصيًا لحذف اسمه خمس مرات من هذه القائمة.
ولم تتوقف أعمال صلاح جاهين الشعرية، فأصدر ديوانه الثاني “موال عشان القنال” عام 1957 وفي نفس العام كتب الليلة الكبيرة أحد أروع إبداعاته والتي لحنها له سيد مكاوي أحد أقرب أصدقائه، الذي لحن له غالبية أعماله الغنائية والمسرحية.
ومثلت الفترة الممتدة من 1959 حتي 1967 فترة النضج الشعري عند صلاح جاهين والتي بلغت قمتها بصدور ديوانه “الرباعيات” عام 1963، ثم عام 1965 حين أصدر ديوانه “قصاقيص ورق”، وخلال تلك الفترة كتب صلاح جاهين أروع أعماله الوطنية التي تغني بها العديد من المطربين ومنهم عبد الحليم حافظ. كما قدم العديد من المسرحيات وكتب الأغاني والأشعار للعديد من المسرحيات”، ولم يتوقف إنتاجه عند الأعمال المحلية، بل قام بالترجمة والإعداد مسرحيًا لبعض المسرحيات الأجنبية. كما قدم الأغاني والأشعار للعديد من الأعمال الإذاعية والعديد من الأغاني والصور الغنائية للأطفال حتي اختارته وزارة الثقافة عام 1962، ليكون مسئولاً عن كل ما يتصل بتوجيه الطفل وثقافته.
ولكن جاءت هزيمة 1967 لتكون بمثابة الضربة القاصمة لصلاح جاهين، فأصيب بعدها بالاكتئاب الذي لازمه حتي وفاته. وخلال هذه الفترة توقف عن كتابة الأغاني الوطنية؛ حيث اعتبر نفسه مشاركًا في الهزيمة بأغانيه وأشعاره شديدة التفاؤل والحماس للثورة ولزعيمها جمال عبد الناصر، فلم يكن صلاح جاهين محبًا لعبد الناصر فقط، بل كان مبهورًا به يراه قادرًا علي تحقيق ما لم يستطع أي زعيم وطني آخر تحقيقه. ورغم الحالة النفسية التي مر بها صلاح جاهين، إلا أنه تغلب علي آلامه واستطاع بقلب عليل تثقله الأحزان أن يزرع في كل واحد منا بذرة الأمل والتفاؤل والبهجة، فلم يستسلم وقرر أن يطرق أبوابًا جديدة.
لم يكن المسرح والكاريكاتير والدواوين تسع موهبة صلاح جاهين المتدفقة كشلال لم تستطع أشد المصاعب أن توقفه، فطرق صلاح جاهين باب السينما والتلفزيون ولم ينتظر حتي تفتح له الأبواب فقد كانت مفا
تيحها السحرية في يده لينطلق بنا في عوالم درامية، غنائية، واستعراضية. فقدم للسينما العديد من الأفلام التي تعتبر خالدة في تاريخ السينما الحديثة مثل “أميرة حبي أنا” وفيلم “عودة الابن الضال”، وكتب سيناريو فيلم “خلي بالك من زوزو” والذي يعتبر أحد أكثر الأفلام رواجًا في السبعينيات إذ تجاوز عرضه حاجز 54 أسبوعا متتالية. كتب أفلام “أميرة حبي أنا”، و”شفيقة ومتولي” و”المتوحشة”. كما قام بالتمثيل في “شهيدة الحب الإلهي” عام 1962 و”لا وقت للحب” عام 1963 و”المماليك” 1965.
تيحها السحرية في يده لينطلق بنا في عوالم درامية، غنائية، واستعراضية. فقدم للسينما العديد من الأفلام التي تعتبر خالدة في تاريخ السينما الحديثة مثل “أميرة حبي أنا” وفيلم “عودة الابن الضال”، وكتب سيناريو فيلم “خلي بالك من زوزو” والذي يعتبر أحد أكثر الأفلام رواجًا في السبعينيات إذ تجاوز عرضه حاجز 54 أسبوعا متتالية. كتب أفلام “أميرة حبي أنا”، و”شفيقة ومتولي” و”المتوحشة”. كما قام بالتمثيل في “شهيدة الحب الإلهي” عام 1962 و”لا وقت للحب” عام 1963 و”المماليك” 1965.
ارتبط صلاح جاهين بعلاقة قوية بالفنانة الموهوبة سعاد حسني علي المستويين الفني والإنساني، مما دعا البعض إلي تشبيه رحلة سعاد حسني الاكتئابية قبل موتها بنفس سنوات صلاح جاهين الأخيرة قبيل وفاته.
تزوج صلاح جاهين مرتين، فتزوج للمرة الأولي من الفنانة “سوسن محمد زكي” الرسامة بمؤسسة الهلال عام 1955 وأنجب منها بهاء الذي ورث كتابة الشعر عن أبيه وأمينة جاهين التي تزوجت بشاعر العامية أمين حداد نجل الشاعر الكبير فؤاد حداد. ثم تزوج من الفنانة “مني جان قطان” الفلسطينية الأصل، وابنة الصحفية والأديبة جاكلين خوري عام 1967 وأنجب منها أصغر أبنائه سامية ،عضوة فرقة “إسكندريلا” الغنائية.
كتب جاهين في واحدة من أهم رباعياته “أنا اللي بالأمر المحال اغتـوي/ شفت القمر نطيت في الهــوا/ طلته ما طلـتوش إيه أنا يهمني/ وليه مادام بالنشوة قلبي ارتوي.. عجبـي!!” بهذه الكلمات البسيطة التلقائية لخص صلاح جاهين ذاته، فهو عاشق لكل جديد، متمرد علي كل القيود، لا يدع شيئًا يوقفه ولا يشعر باليأس حتي أمام المستحيل. لذا عشق جاهين المستحيل وطوعه فطرق العديد من دروب الفنون ونبغ فيها.
استطاع صلاح جاهين ببساطته وتلقائيته التعبير عن أشد القضايا تعقيدًا بأسلوب يسهل علي البسطاء فهمه واستيعابه، وهو ما جعله فارسًا يحلق برسومه وكلماته ويطوف بها بين مختلف طبقات الشعب المصري.
توفي أبو شعراء العامية فؤاد حدادـ رفيق مشوار جاهين وصديقه الحميم ـ في أول يناير/ كانون ثان 1985 واكتأب صلاح جاهين بعد وفاة رفيق عمره ولم تمر فترة طويلة حتي رحل صلاح جاهين في 21 أبريل/ نيسان 1986. وبقي الاثنان في قلوب البسطاء لأنهما اتخذا من قضاياهم وهمومهم وأحلامهم مشاريع للكتابة أثرت وجدانهم و سمت بأذواقهم ودفعت أرواحهم للتمسك أكثر بالحياة وقيمة الإنسان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكالة الانباء الاسبانية (أفي)