بقلم نقولا ناصر*
بينما يغرق الوعي العمالي في النضال الوطني الدامي ضد الاحتلال بقدر ما يغرق في متاهات صراعات مصدرة من الخارج
بقلم نقولا ناصر*
بينما يغرق الوعي العمالي في النضال الوطني الدامي ضد الاحتلال بقدر ما يغرق في متاهات صراعات مصدرة من الخارج الى الوعي الفلسطيني بين ثنائيات الدين والعلمانية والاعتدال والتطرف والعنف واللاعنف ، الخ. ، وسط معارك نخبوية ايضا مستوردة من اجندات “المانحين” حول “الجندر” وحقوق “فردية” للانسان والطفل والمراة وربما قريبا الشواذ جنسيا ، كان صوت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تيسير خالد صوتا نشازا في هذه المعمعة “المستوردة” من المعارك الهامشية التي تكاد تضيع فيها القضايا الاساسية “الجمعية” للشعب الرازح تحت نير الاحتلال وخصوصا الفجوة المتسعة بين الاكثرية الساحقة الفقيرة وجلها تقريبا من العمال وبين القلة المتناقصة عددا لكنها تزداد غنى وثروة … وفسادا ، وبينهما طبقة وسطى بالكاد يبقيها عائمة التاكل السريع في قيمة العملات الثلاث الرئيسية المتداولة في فلسطين وفي قوتها الشرائية التي ينهشها الغلاء الفاحش والارتفاع المتسارع في الاسعار .
قال خالد ان عمال فلسطين حاليا مسحوقون بين “مطرقة الاحتلال” وسندان “البطالة والفقر والتهميش” وسط “شروط عمل هي اقرب الى السخرة منها الى علاقات عمل وتعاقد” وهم “يتطلعون نحو الحكومة الفلسطينية عسى ان تضعهم على جدول أعمالها” ليحذر بانه “اذا ما سارت الحكومة الفلسطينية الحالية على نهج ما سبقها من حكومات فسوف لن يجد المواطن فسحة من امل” . غير ان الاضرابات التحذيرية المتكررة لنقابيي موظفي القطاع العام خلال الشهور الاخيرة المطالبة بزيادة الاجور ليست مؤشرا الى ان حكومة السلطة الحالية في وارد وضع عمال القطاع الخاص على جدول اعمالها .
حسب ارقام دائرة الاحصاء الفلسطينية لعام 2007 التي صدرت عشية “يوم” (وليس بالتاكيد “عيد”) العمال يوجد (183) الف عاطل فلسطيني عن العمل غالبيتهم من الشباب والخريجين من (666) الف عامل (اربعة عمال من كل عشرة مواطنين) ، منهم (159) الف عامل في القطاع العام ، يعيل كل عامل منهم في المتوسط ستة افراد ويتقاضى معدل اجر وسيط يومي قدره (70) شيقلا ، لتبلغ نسبة الأسر الفلسطينية التي يقل دخلها الشهري عن خط الفقر الوطني 57.2% ! وارقام الدائرة الفلسطينية تعتبر حدا ادنى بالمقارنة مع ارقام مصادر اجنبية غير فلسطينية تقدر عدد العاطلين عن العمل باكثر من نصف مليون فلسطيني . فعلى سبيل المثال توقع تقرير للبنك الدولي يوم الاحد الماضي ارتفاع معدل البطالة في قطاع غزة ، حيث يعيش اكثر من 35% من المواطنين في فقر مدقع “عميق” وعرف البنك هذا النوع من الفقر بميزانية تبلغ (500) دولار شهريا لاسرة مكونة من ستة افراد ، ونترك التعليق حتى على هذا “التعريف” لاهل غزة انفسهم !
وتشير كل الدلائل الى ان العمال لن يكونوا ابدا على جدول اعمال حكومة السلطة الحالية مثلما لم يكونوا ابدا على جداول اعمال سابقاتها ، اذ لم تخصص للتنمية نسبة تزيد على خمسة بالمائة بالرغم من ان “مداخيل السلطة الفلسطينية تتضاعف” سواء من مليارات المانحين او من الضرائب ، كما قال خالد .
فقيادة المنظمة التي يقود حكومتها الحالية الدكتور سلام فياض الخبير المخضرم في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (اهم منظمتين عالمتين مسؤولتين عن برامج الخصخصة والاصلاح الاقتصادي التي ارتهنت سياسيا واقتصاديا عشرات من الدول لديونها للدول الصناعية الثمانية الاكبر في العالم وخلقت خلال سنوات قليلة جيوشا بمئات الملايين من الفقراء والعمال العاطلين عن العمل الذين يعيشون على هامش الحضارة الراسمالية يسحقهم الفقر والجوع والمرض) هي قيادة لا تبشر ابدا بان عمال فلسطين سوف يكونون في يوم ما على جدول اعمالها .
وعندما تالفت حكومة حركة المقاومة الاسلامية “حماس” اوائل عام 2006 بعد نجاحها الساحق في الانتخابات التشريعية اول السنة لم يستبشر عمال فلسطين عندما كان اول بيان لرئيس وزرائها اسماعيل هنية موجها ل”طمانة” القطاع الخاص الفلسطيني دون أي طمانة موازية لعمال هذا القطاع الذي تبلغ حصته من الدخل الوطني 74% حسب دائرة الاحصاء الفلسطينية ، ثم لم يكن في برنامج حكومة الوحدة الوطنية التي اعقبتها ما يطمئنهم .
في الثلاثين من الشهر الماضي حذر جون جينغ مدير الاونروا بان الاوضاع الانسانية في قطاع غزة تثير “الصدمة” وهي “معيبة” وعلى وشك الوصول الى “نقطة الانفجار” نتيجة للحصار الذي حول مليون ونصف المليون فلسطيني اما الى عاطلين عن العمل او الى عالة على المعونات الانسانية الشحيحة التي يسمح الاحتلال بعبورها بالقطارة الى القطاع في وقت ناشدت فيه بعض الفصائل والقوى الوطنية اعلان القطاع “منطقة منكوبة” .
وبينما تواصل دولة الاحتلال حصارها تحاول “تجميل” صورتها البشعة اعلاميا بين وقت وآخر مثلما اعلنت حكومتها الشهر الماضي عن “نيتها” منح حوالي خمسة الاف عامل فلسطيني تصاريح للعمل فيها يضافون الى عشرين الفا حاصلين على تصاريح مماثلة .
ان وحدة عمال فلسطين تصبح اليوم ملحة اكثر من أي وقت مضى وربما تكون المدخل الواقعي الصحيح للوحدة الوطنية التي مزقها التناحر الفصائلي ومزق معها وحدة النضال العمالي .
ان دولة المشروع الصهيوني ما كان لها ان ترى النور ولا الاستمرار حتى الان لولا دعم الراسمالية العالمية التي اجهضت المشروع الشيوعي لحل المسالة اليهودية في اوروبا بمنح اليهود جمهورية سوفياتية للحكم الذاتي في “بيروبيجان” (حيث تمتع ما يقارب ثلاثة ملايين يهودي بادارة شؤونهم بلغتهم وثقافتهم قبل ان يتحولوا الى مصدر رئيسي للهجرة الى فلسطين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي اواخر القرن الماضي) والتي تحاول الان ضمان امنها ب”تفصيل” دويلة فلسطينية بمعايير راسمالية كاملة .
وقد حولت دولة المشروع الراسمالي الصهيوني (حيث واحد في المائة يملكون ستين في المائة من الثروة وحيث 25% تحت خط الفقر وحيث احتلت هذه الدولة المرتبة ال 13 عالميا في الفساد العام الماضي طبقا لمجلة “تيككون”) مليون وربع المليون فلسطيني الى احتياطي عمالة رخيصة ورثة تملك اقل من ثلاثة في المائة من ارض وطنها التاريخي بينما تعد الدويلة الفلسطينية الموعودة المتصالحة معها بتحويل حوالي اربعة ملايين فلسطيني تحت الاحتلال منذ عام 1967 الى فائض عمالة مماثلة يخططون لتطاحنها على فرص عمل قليلة في مدن “سلام” صناعية مشتركة اقاموها على “الخط الاخضر” لتكون في متناول المراكز الراسمالية في “الدولتين” اللتين يجمع السلام بين رجال الاعمال فيهما .
واذا كانت الافكار الاشتراكية “للاباء المؤسسين” لدولة المشروع الصهيوني تاريخا لا يكاد يتذكره احد الان فان قوى اليسار الفلسطيني التي كانت تستمد مشروعية “يساريتها” من الانحياز للعمال وقضاياهم لا تجد في حقيقة تحول الشعب الفلسطيني كافة تقريبا الى شعب من العمال مسوغا كافيا حتى للتفكير في انشاء حزب للعمال او للعمل من المؤكد انه سوف يعيد لها بعض نفوذها الشعبي الذي افتقدته وربما يكون حافزا لتوحيد صفوفها التي فطن حزب اليسار الاوروبي لاهمية توحيدها فزار وفد منه الضفة الغربية الشهر الماضي بينما قرر اليساريون الالمان فتح مكتب لهم في رام الله مهمته الرئيسية العمل على توحيد اليسار الفلسطيني .
لقد كان عمال فلسطين ، مثل كل عمال العالم ، الخاسرون في الحرب وفي السلم فهم وقود القتال وهم جنود البناء وهم في الحالتين اول من يعطي
واخر من ياخذ واكثر من يخسر واقل من يستفيد ويحرص كل المستفيدين من المقاومة ومن المفاوضات على استقطابهم “جماهير” لهم ويحرصون في الوقت نفسه على اغراقهم في صراعاتهم وصغائرهم دون ان يكون حالهم على “جدول الاعمال” ودون ان يمنحونهم متنفسا يتيح لهم تنظيم انفسهم وتوحيد صفوفهم ليمثلوا انفسهم فيكف الاخرون عن تمثيلهم وهو امر ان حدث سيكون بالتاكيد رصيدا للنضال الوطني سلما ام مقاومة .
واخر من ياخذ واكثر من يخسر واقل من يستفيد ويحرص كل المستفيدين من المقاومة ومن المفاوضات على استقطابهم “جماهير” لهم ويحرصون في الوقت نفسه على اغراقهم في صراعاتهم وصغائرهم دون ان يكون حالهم على “جدول الاعمال” ودون ان يمنحونهم متنفسا يتيح لهم تنظيم انفسهم وتوحيد صفوفهم ليمثلوا انفسهم فيكف الاخرون عن تمثيلهم وهو امر ان حدث سيكون بالتاكيد رصيدا للنضال الوطني سلما ام مقاومة .