ضحى عبد الرحمن
لدينا مثل بغدادي معروف ” الزائد كالناقص” وهو مثل قديم جدا نسبه الميداني في موسوعته عن الأمثال إلى سنة(700) للهجرة, ويرى البعض انه أشتهر بعد نصيحة قدمها الحكماء إلى الاسكندر المقدوني” أيها الملك عليك بالاعتدال في كل الأمور, فإن الزيادة عيب والنقصان عجز” بمعنى أن الزيادة والنقصان لحد التطرف لا يمكن القبول بهما فكلاهما سيؤدي إلى مردود عكسي! وأن الاعتدال هوا لطريق الأمثل, لذلك أكد المسلمون نظرية أن ” خير الأمور أوسطها” ونصحوا القادة بإتباع قاعدة” لا تكن لينا فتعصر ولا يابسا فتكسر” في إدارة شئون ممالكهم.
في نهاية شهر نيسان عقد المالكي مؤتمراً صحفيا ليتحدث عن أهم التطورات التي تشهدها الساحة العراقية والسياسة التي تنتهجها حكومته إزاء التطورات الساخنة وعودة الوضع الأمني بعد تحسنه الضئيل إلى الصفر أو ربما اقل بعد صولته في البصرة والتي انتهت بفاجعة حكومية وعضة شفاه أمريكية وحسرة بريطانية, فالأمريكان وجدوا بأن الجيش العراقي والشرطة وبقية الشلة غير قادرة على حماية رئيس الوزراء الذي لولا استغاثته ” وا بريطاناه وا أمريكاه” في القصر الرئاسي في البصرة بعد محاصرته لكان الآن قابعا في احد سراديب جيش المهدي أو معلقا على عمود كهرباء مثل الناطق بأسم وزارة الداخلية عبد الكريم خلف, وهي النتيجة التي توقعتها كوندليزا رايس عندما نصحته بتحقيق المصالحة الوطنية وتحسين الأمن وإلا فانه وأعضاء حكومته سيعلقون على أعمدة الكهرباء!
كما أن بريطانيا التي كانت تهيأ الظروف بعد تسليمها الملف الأمني للقوات العراقية في خطوة تمهيدية لسحب قواتها خلال النصف الثاني من هذا العام استفاقت من أحلامها الوردية على خراب البصرة وضاعت فرصتها الوحيدة لتحقيق حلمها بسبب صولة المالكي, وهذا يفسر سبب تأخرها في نجدته فقد كان المالكي على شفا حفرة من السقوط لولا امتداد يد الغوث البريطاني الأمريكي في اللحظة الأخيرة! وهذا يفسر الموقف المتعنت والصارم الذي تميز به المالكي بعد فشل صولته, من المؤكد أن خطوة المالكي لنزع أسلحة الميليشيات خطوة مهمة وان الأسلحة لا بد أن تكون بيد الدولة فقط ولا اعتراض على هذا الأمر مطلقا! ولكن على افتراض جدلا انه تمكن المالكي من سحب أسلحة ميليشيا المهدي فكيف سيتمكن من سحب أسلحة قوات بدر وميليشيا حزب الدعوة وميليشيا الأكراد والحزب الإسلامي واحمد الجلبي وبقية الاحزاب المنضوية تحت ظلال حكومته؟ وفي الضفة الثانية كيف سيتمكن من نزع أسلحة الجيش الإسلامي وتنظيم القاعدة وكتائب عمر وغيرها من التنظيمات؟ وهل سيتم ذلك من خلال صولات فرسان قادمة؟ وهل يمكن لحكومة فشلت خلال خمس سنوات من القتال مع تنظيمات اقل عدة وعددا من جيش المهدي أن تحسم معركتها هذه خلال أيام أو أشهر كي يتفرغ المالكي لحروبه القادمة مع البقية؟ وكم الفترة التي ستستغرقها الحكومة لإنهاء المظاهر المسلحة من ثم تتفرغ للبناء وتعمير ما خلفته الحروب والصولات من خراب وتدمير؟
يضع المالكي شروطاً لمن يتطلع للمشاركة في العملية السياسية الراكنة المذعورة في زوايا المنطقة الخضراء, ومنها عدم التدخل في شئون الدولة, وهذه مزحة جميلة أن لا تساهم حركة سياسية بالتدخل في شئون الحكومة والوزارات وبقية مؤسسات الدولة! إذا ما الغرض من مشاركتها وهل ستكون “خراعة خضرة” في حكومة المالكي؟
من ثم يطالب المالكي المشاركين في العملية السياسية أن ينأوا عن المهام الأمنية التي تدار من قبل الجانبين الأمريكي والإيراني, حيث يحق لهما ما لا يحق للعراقيين وهي من البدع السياسية الغريبة وكل بدعة مالكية هي ضلالة وكل ضلالة من حكومة العار مصيرها النار؟ من الذي سيقوم المهام الأمنية في حالة انحرافها ويصحح لها الطريق؟ فقد ارتكبت مجزرة في الناصرية عندما أحرقت القوات الحكومية, ممثلة بميليشيا بدر وحزب الدعوة جثث عدد من الصدريين بعد قتلهم, ولم يرف رمش المالكي بالرغم من أن الترميش لازم عينه وهو يتحدث عن تعليق الناطق باسم وزارة الداخلية على عمود كهرباء!
يطالب المالكي بشكل مخزي بعدم إنشاء محاكم من قبل التيارات السياسية الراغبة في المشاركة في العملية السياسية, والعراقيون يعرفون أن حزب الدعوة بشطريه وفيلق بدر إضافة إلى جيش المهدي لهم محاكمهم الخاصة وسجونهم الخاصة أيضا, ولكل وزارة سجنها ومحكمتها يضاف إلى ذلك سجون الاحتلال الأمريكي والبريطاني؟ فهل هذا التوجيه سيشمل هذه الجهات أيضا؟ وهل بقدرة المالكي اغلاق على سبيل المثال محكمة وسجن براثا السيئ الصيت؟
أليس من الغريب أن يفرض المالكي شروطا على الكتل السياسية لكي تشارك في العملية السياسية في إيهام ساذج والكل يعلم أن كتل التوافق والصدريين والفضيلة هم الذين انسحبوا من الحكومة وليس العكس, وتتداول الأخبار بان الهاشمي فرض شروطا على المالكي لغرض العودة إلى العملية السياسية الكسيحة وان هناك تفاوض بشأنها! فمن يضحك على من؟
تحدث المالكي عما يسمى بالدروع البشرية معتبرا أن التيار الصدري يمارس نفس أساليب حزب البعث! وهذه جناية كبيرة فمن المعروف أن الع
راقيين ومنهم أخوان لنا وأقارب رفضوا ترك المنشئات الصناعية التي يعملون فيها طوعيا خشية مهاجمتها من قبل القوات الأمريكية آنذاك وكانت الغاية واضحة والحكومة الوطنية السابقة أثنت عليهم ولكنها سمحت بتواجد أقل عدد ممكن من المهندسين والعمال لإدارتها, ولا علاقة مطلقاً ما بين الذي يحدث في مدينة الثورة(الصدر) حاليا والقوات الأمريكية, نحن نعيش في زمن العولمة ورغم شراء الذمم الإعلامية والصحفية فأن البعض ما يزال يمارس المهنة باحتراف وشرف ونطلع يوميا على همجية القصف الأمريكي على بيوت الأبرياء في مدينة الثورة وانتشال الأطفال من بين الأنقاض, ولم نرى دروعا بشرية, بل أشلاء بشرية لمواطنين أبرياء؟ ونتساءل أين وضعت هذه الدروع وهل هناك مؤسسات صناعية في المدينة لكي تحتاج إلى دروع بشرية؟ولماذا لا يرينا إعلام المالكي هذه الدروع البشرية لتصدق مقالته! وان كان هناك مجرمين فلماذا لا يلقى القبض عليهم دون الحاجة إلى القصف الجوي العشوائي؟ لماذا تحارب الطائرات البنادق؟ ولماذا تلقي بحممها على بيوت الآمنين الذين ليس لهم علاقة بجيش المهدي وغيره! ومن يتحمل مسئولية ودم هؤلاء الأبرياء؟ وان كان هناك مجرمين في المدينة أليس من واجب الحكومة وليس طائرات الاحتلال ملاحقتهم؟وكيف يسمح رئيس الوزراء لنفسه بأن يكذب بمثل هذه الصفاقة على الشعب عندما يدعي بأنه لا يوجد هناك حصار اقتصادي ودوائي في المدينة وقد استمعنا لشكاوى الأطباء في مستشفيات المدينة من عدم توفي الأدوية لمعالجة الجرحى, وانه لا يسمح لسيارات الإسعاف وعجلات الأنقاض بدخول المدينة لإخراج الجثث والجرحى من تحت أنقاض بيوتهم؟ إن كان المالكي قد اطلع على هذه الأفلام الوثائقية فانه لا يجوز إدعاء ما يناقضها وأن كان يجهل فالمصيبة أعظم وحري به أن يرسل بمستشاريه ومن حوله إلى حاوية القمامة فأن ذلك مكانهم المناسب!
راقيين ومنهم أخوان لنا وأقارب رفضوا ترك المنشئات الصناعية التي يعملون فيها طوعيا خشية مهاجمتها من قبل القوات الأمريكية آنذاك وكانت الغاية واضحة والحكومة الوطنية السابقة أثنت عليهم ولكنها سمحت بتواجد أقل عدد ممكن من المهندسين والعمال لإدارتها, ولا علاقة مطلقاً ما بين الذي يحدث في مدينة الثورة(الصدر) حاليا والقوات الأمريكية, نحن نعيش في زمن العولمة ورغم شراء الذمم الإعلامية والصحفية فأن البعض ما يزال يمارس المهنة باحتراف وشرف ونطلع يوميا على همجية القصف الأمريكي على بيوت الأبرياء في مدينة الثورة وانتشال الأطفال من بين الأنقاض, ولم نرى دروعا بشرية, بل أشلاء بشرية لمواطنين أبرياء؟ ونتساءل أين وضعت هذه الدروع وهل هناك مؤسسات صناعية في المدينة لكي تحتاج إلى دروع بشرية؟ولماذا لا يرينا إعلام المالكي هذه الدروع البشرية لتصدق مقالته! وان كان هناك مجرمين فلماذا لا يلقى القبض عليهم دون الحاجة إلى القصف الجوي العشوائي؟ لماذا تحارب الطائرات البنادق؟ ولماذا تلقي بحممها على بيوت الآمنين الذين ليس لهم علاقة بجيش المهدي وغيره! ومن يتحمل مسئولية ودم هؤلاء الأبرياء؟ وان كان هناك مجرمين في المدينة أليس من واجب الحكومة وليس طائرات الاحتلال ملاحقتهم؟وكيف يسمح رئيس الوزراء لنفسه بأن يكذب بمثل هذه الصفاقة على الشعب عندما يدعي بأنه لا يوجد هناك حصار اقتصادي ودوائي في المدينة وقد استمعنا لشكاوى الأطباء في مستشفيات المدينة من عدم توفي الأدوية لمعالجة الجرحى, وانه لا يسمح لسيارات الإسعاف وعجلات الأنقاض بدخول المدينة لإخراج الجثث والجرحى من تحت أنقاض بيوتهم؟ إن كان المالكي قد اطلع على هذه الأفلام الوثائقية فانه لا يجوز إدعاء ما يناقضها وأن كان يجهل فالمصيبة أعظم وحري به أن يرسل بمستشاريه ومن حوله إلى حاوية القمامة فأن ذلك مكانهم المناسب!
أما إدعاء المالكي بتوفر الوقود في مدينة الثورة فأنه ليس سوة نكته بارعة فكل العراقيين على ثقة بأن الوقود في العراق يتوفر داخل الأرض وليس على سطحها ما عدا المنطقة الخضراء, والكل يعاني من هذه الأزمة بما في ذلك سكان المحافظات الشمالية المستقرة أمنيا فكيف بالمناطق الملتهبة؟
يدعي المالكي بأنه يرفض التفاوض مع الصدريين لحل الأزمة وبنفس الوقت يرسل وفدا إلى طهران برئاسة علي الأديب الشخص القيادي الثاني في حزب الدعوة إلى طهران للتفاوض مع مقتدى الصدر لإنهاء الأزمة الحالية! فكيف يفسر هذا التناقض؟
كما أن إدعائه بأن سكان المدينة ناشدوه وتوسلوا إليه بأن يقتلهم ويقتل المسلحين, فهذا تبرير يلتقي مع الحكمة القائلة حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له! فقد سمعنا عبر شهادات المواطنين مناشداتهم للحكومة والعالم لوقف الهجمات البربرية ضد المدنيين! وان كان هناك من تفوه بمثل هذه الجملة فمن المؤكد أنه ممن فقد عائلته بسبب هذه الإبادة الجماعية وتمنى الموت ولم يبق له أمل بالحياة, فقد أوصلهم المالكي إلى تقبل فكرة الموت بدلاً من هذه المعاناة المدمرة!
أما ادعائه بأنه حصل على موافقة المراجع للتمهيد لهذه الإبادة فأننا شبعنا من فتاوى هذه المراجع التي باركت الاحتلال وكل انتهاكاته وجرائمه ضد الشعب العراقي, وإنها فقد تلك الهالة القدسية التي كانت تتمتع بها بعد أن سكتت عن قول الحق وتحولت إلى شيطان أخرس! أن سفك دماء الأبرياء لا يحتاج إلى فتوى فالإسلام وتعاليمه السمحاء لا تحتاج إلى مرجع كي يفهمها لنا, وان كانت تلك المراجع قد أفتت للمالكي فهذا يعني أن فقدت آخر رصيد لها من ثقة العراقيين, وان كان العكس فحري بها أن تصدر بيانا تفند فيه ما جاء على لسان المالكي كي تحفظ القليل المتبقي من هيبتها التي تتعرض للجزر يوم بعد آخر.
ضحى عبد الرحمن
كاتبة عراقية