كان واضحا ضخامة المسيرة التي شارك فيها عدد كبير من الناس رجال ونساء في محافظة شمال غزة ، والتي جابت شوارع مدينة بيت لاهيا ومخيم جباليا ، حيث نظمت من قبل اليسار الفلسطيني الذي يضم الجبهة الشعبية ، والجبهة الديمقراطية ، وحزب الشعب الفلسطيني على شرف الأول من أيار ـ عيد العمال العالمي .. وبالتأكيد مثل هذه المسيرات انطلقت في كافة محافظات غزة في ظل استنفار شديد للقوة السوداء التي ملأت الشوارع خوفا من أن تتحول هذه المسيرات إلى غضب شعبي عارم احتجاجا على الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السيئة التي يعيشها أهالي غزة المحاصرين منذ أكثر من عشرة شهور ..؟ علت الرايات الحمراء رفرافة فوق رؤوس المتظاهرين ، وصدحت حناجرهم بهتافات وشعارات تطالب بتوحيد الصف الفلسطيني لمواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر ، وتوفير عيشا كريما للجميع ، وفي تغيب مقصود لوسائل الإعلام ..؟ قد لا يرضى البعض عن حجم المسيرة وشكلها سواء كان من شارك فيها وفي تنظيمها ، أو من أطراف أخرى لا تريد تواجد غيرها في الساحة ؟ للجميع نقول : إن أول احتفال أقيم في غزة بمناسبة الأول من أيار كان عام 1985 ( على الأقل في مرحلة الاحتلال الإسرائيلي ) في وقت كان فيه الجميع غائب عن العمل الوطني وكان عمال غزة منهمكون في أعمالهم في الورشات والمزارع والمصانع الإسرائيلية ـ وبالمناسبة إسرائيل حتى يومنا هذا لا تعترف بعيد العمال العالمي .. ويكاد لا يذكر هذا العيد في المجتمع الإسرائيلي حتى يومنا هذا ، لولا الشيوعيين في إسرائيل يحيونه بطريقتهم الخاصة ، وعلى الأغلب يقام احتفالا مركزيا في مدينة الناصرة الفلسطينية … فتجمع عدد قليل مع أسرهم لا يتجاوز الثلاثين ، غالبهم كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي الفلسطيني وأقاموا احتفالا بمناسبة عيد العمال العالمي فوق ساحات مقبرة الإنجليز بغزة ، تخلل الاحتفال عدد من الأغاني الثورية والطبقية وكلمات معبرة لاثنين من كوادر الحزب … كان احتفالا خجولا ، لكنه كان معبرا ، وكان ينبئ بما هو آت ..! يأتي الأول من أيار هذا العام على الطبقة العاملة الفلسطينية وقد فقد الجميع أعمالهم سواء داخل غزة أو خارجها .. وباتوا جميعا يتسولون لقمة عيشهم المرة ، مرة من المؤسسات الخيرية ومرة من الفصيل الذي يحكم غزة في هذه الأثناء مناجين ربهم صباح مساء أن يغير أحوالهم إلى الأحسن ، أو يميتهم ؛ خوفا من أن يواجهوا مزيدا من القسوة والمعاناة تدفعهم للموت قهرا .. خاصة ونحن نشهد زيادة صاروخية في ارتفاع أسعار المواد الغذائية أكثر بكثير من ارتفاعها عالميا ، والأهم من هذا أن الجزء الأكبر من الطبقة العاملة وعوائلها باتت تعاني من اضطرابات نفسية حادة لا يمكن علاجها بسهولة ، وتحتاج إلى وقت وجهد كبيرين إضافة إلى الأموال الكبيرة اللازمة لذلك .. لا شك أن يكون هذا هو الهدف الرئيسي للاحتلال الإسرائيلي من فرض الحصار واستخدام آلة الدمار والفتك بالإنسان لتحويل سكان غزة إلى صور لا إنسانية يمكن القضاء عليها .. أو لا مفر أمامها من التنازل عن حقوقها ، أو دفعها إلى عدم الاهتمام بقضاياها الوطنية …؟! اليسار الفلسطيني إذا ما توحد يستطيع أن يكون قوة ليست بسيطة بين القوتين الرئيستين في الساحة الفلسطينية ، وإذا ما رتب صفوفه بشكل جيد يمكن أن يكون قوة رئيسية ، وصحيحا أن هذه القوى عملت مع بعضها في الساحة الفلسطينية أحيانا ، وحاولت أن توحد صفوفها مقابل اليمين ، لكن الظروف الآن أكثر ملائمة خاصة أن القوتين الرئيستين أخفقتا في إدارة الصراع مع الاحتلال ، وكذلك إدارة حياة الناس اليومية .. كذلك الاهتمام الكبير من هذه القوى بتوحيد اليسار ، كما كان ذلك شعارا مركزيا لحزب الشعب في مؤتمره الأخير الذي عقد وأنجز أعماله قبل شهرين تقريبا ، فحمل أمينه العام المنتخب في المؤتمر هذا المشروع ، وصار في صدارة اهتماماته الرئيسية وأعتقد أنه قطع شوطا كبيرا في حواراته الهادئة والمفيدة مع قوى اليسار الأخرى .. كل ذلك يأتي في وقت يشعر به الجميع أن لا مفر أمامهم لمواجهة التحديات إلا بالوحدة ، سواء بالاندماج في حزب واحد ، أو تشكيل جبهة يسارية تضم كل القوى اليسارية العاملة في الساحة الفلسطينية .. إذا ما قلنا أن هذه القوى توحدها أيدلوجيا واحدة ومفهوما واحدا لتفسير مجريات الأمور ، وتاريخا مشرفا يعتز به الجميع سواء كان أمميا ، أم فلسطينيا ، وأن حالة الاستقطاب التي صاحبت بعض التنظيمات فترة طويلة من الزمن قد زالت أو خفت ، والتجارب العديدة السابقة أكانت تجربة التحالف الديمقراطي أم تجربة البديل ، ومحاولة تحالف بعض قوى اليسار مع تنظيمات أخرى .. تقول : آن الأوان للجميع باتخاذ قرارا لا رجعة فيه وهو : وحدة اليسار الفلسطيني وجبت ، وستلاقي تشجيعا وتأيدا كبيرين …