قررت هذا اليوم، 03 ماي، أن أشارك الصحافة العربية احتفالاتها باليوم العالمي لحرية الصحافة، ولم يكن قراري هذا نتاج تملق لوسائل الإعلام، حتى تحجز لي مكانا في صدر صفحاتها كي أعبر عن رأيي الحر، لكن قراري كان نابعا من قناعتي بأن صحافتنا العربية الأسيرة التي نحلم بأنها ستخلصنا من مآسينا هي بأمسّ الحاجة لتخليصها وإنقاذها من مخالب سلطات الظل التي حولتها إلى بوق لهرقطاتها وشطحاتها الهستيرية على جثت أطفالنا وإخواننا وآبائنا وأمهاتنا..
قررت اليوم أن أتحدث عن صحافتنا العربية، لكنني وأثناء الكتابة فلتت أصابعي وعوض رقن حرف العين رقنت حرف الغين، فكان أن كتبت صحافتنا الغربية.
وقفت للحظة أسائل نفسي هل أصحح الغلط اللغوي أو أتغاضى عنه، فالقارئ بالتأكيد سيفهم مقصدي، وأهدافي، لكن للحظة قلت في نفسي ربما الغلط ليس في العين ولا الغين وإنما في إغفال حرف آخر هو حرف الياء وإضافته إلى الكلمة مع الإبقاء على حرف الغين، وخلصت إلى أنني سأكتب لا محالة كلمة «الغريبة» قلت ولم لا كلمة الغريبة، فنحن غرباء في أوطاننا العربية، وصحافتنا ما هي في حقيقة الآمر سوى كواتم صوت لصراخات الشعوب العربية، وأبواق لخطابات المتحكمين في رقاب البلاد والعباد.
قررت إضافة حرف الياء، ولو كلفني ذلك التشهير بسمعتي وسمعة أبنائي وبناتي، وبمجرد رقن حرف الياء، حتى طالعتني صحف بلادي بكتابات تأكدت من البداية بأنها ليست هي صانعتها، وإنما من ورائها المتحكمون في حروفنا الأبجدية الذين يريدوننا التكلم بها كما شاءوا هم ..
تفاجأت بنيران صحفية من كل الجهات، ومن كل الزوايا، ولحسن حظي أن كل الرصاصات الحاقدة لم تصبني بسوء، واضطرتني ظروفي الصحية أن أتنقل إلى بلد أوربي للعلاج، وقلت في قرارة نفسي لقد إرتحت من نيران صحافتنا، لكنني وأنا أعالج في أحد المستشفيات، اتصل بي مراسلو أجهزة إعلامية دولية كبيرة بمن فيها «هيرالد تريبون» وقناة «السي أن أن» تطلب مني كشف فضائح بلادي، ورفضت الانسياق وراء هذا الطعم لقناعتي بأن كشف عصاباتنا الداخلية ومحاربتها لا يمكن أن يتم إلا من الداخل، وكنت في الوقت نفسه أتحسر للوضع الذي وصلت إليه صحافتنا في الجزائر، وكنت من موقعي السياسي آنذاك أعرف أن التعددية الإعلامية التي أنجزت كما قالوا لنا على أنقاض الأحادية، ما هي إلا تعددية لعصابات المال والأعمال التي تمكنت من السيطرة على حق المواطن في الإعلام واحتكاره، وهي اليوم والحقيقة تقال مرآة عاكسة لتعددية آلام شعبنا، الذي بات يصيح عبر أبواق الإعلام، وظنه أن الصيحات ستصل لمسامع الشعب، لكنه اكتشف أن الأبواق ما هي إلا كواتم صوت ليس إلا..
وكواتم الصوت هذه ملاكها بعض من المرضى الذين ظنوا يوما ما أنهم سيخرسوننا.
قلت في نفسي لقد سمحت بتغيير العين إلى غين، وسكت عن إضافة الياء، فبأي حق ستدافع عن حقك في الإعلام؟
صحيح إننا كمواطنين وسياسيين أخطأنا عندما لم نزن وزر تغيير الحروف، فقد كنا نؤمن بأن سادتنا الذين يحكموننا هم من أبناء ثورتنا المجيدة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبيعوننا بالسلف الرخيص، كنا نظن ووصلنا اليوم إلى اليقين بان هذا الظن إثم، وتأكدنا بان صحافتنا هي أبواقهم فقد اشتروها بالدينار البخيس، وبخّست بالتالي كل أبناء هذا البلد العزيز.
رفضت التحدث لأجهزة الإعلام الغربية حتى لا أبيع بلادي ،لكنني يا قوم وجدت البلاد تباع في المزاد العلني وصحافت«هم» تبوق للعملية.
ياسادتي رجالات الإعلام، لن أثق بكم إلا بعدما تبرهنوا لنا أنكم منا ولستم منهم….
جمال الدين حبيبي