أنس ابراهيم
فِي زِقَاقِ المَوْتَى، هُنْالكَ مَوْتْى يْحَادِثُوُنَ قُبُورَهُمْ
هُنا مات أبي ، هُنا ماتَ أبي ، في غسَقِ الليْلِ جاؤوا ، حاملين رشاشاتٍ ثقيلةَ الوزنِ ، ينتعلون قبعاتٍ سوداء مخضرة اللونِ ..
هُنا جاؤوا ، هُنا ذهبوا
هُنا بيتٌ وفي البيتِ طفلٌ ولدى الطفلِ لسانٌ لا ينطق ، وفي فوهةِ البيت معلقٌ خرزةٌ زرقاء ، لتمنع الشرَّ عن القادمين ..
عن الذاهبين ..
هنالِكَ مَوْتى لم يموتوا بَعْد ، لم يعبروا طريقَ إلى قبرٍ مدججٍ بالتراب ، قد أخذوا الإذن من أحَدٍ وقالوا : سنظلُ هُنا ، في بيوتٍ خاوية ، في مغارة فيها ذئب يتربصُ بنا منذ ستينَ عاماً ، قد التهَم نصفنا وأبقى النصف الآخر يتنقيه شيئاً فشيئا ..
هُنا ولِدَ كتابْ ، فيه قصيدةٌ وفي القصيدةِ بيتْ ، وفي البيتِ شطرينِ أحدهما طغى على الآخَرِ فقتله كي يسودَ القصيد وحدَه ، دونَ شريكٍ أو رفيق ..
هناكَ في ماضينا تنكةٌ ، كان فيها قططٌ يلعبون ، وكانَ بعضُ الكلابِ مارين من هناك ، فرأى الكلابُ أن لا مأوى لهُم وعثروا عليهِ في حوزةِ القطط ، فجاؤوا وقالوا أن نعضَكُم أو تذهبون ، فجاءت إحداهُن لتنطق فعضَتْ وقُتِلَت ، فذهبْن حاملين خيبتهنُ التي رافقتهُن إلى الآن ..
ما زال الكلابُ يمرحون في تلكَ التنكة ..
حتى جارَ الزمان وبقي المكانُ خالياً من السكانِ ولكن ..
موتى يجيؤونكم كل يومٍ حاملين تلك الخيبة ينثرونها هناك ، في المكان الذي ارتحلوهُ ..
ألم يزل هناك فراغٌ في تلك التنكةِ الصماء ..
مذكرات ما بعد ال 31 من آذار عام 2008
24 / 4 / 2008