«وما خفي سيكون أعظم».. عبارة رددها الكثيرون في الجزائر بعد اندلاع ثورة الجياع بكل من مدن بريان،تيارت، قديل، والشلف، وبصراحة فان ما وقع لم يفاجئني على الإطلاق، بل إنني كنت أترقب حدوثه منذ مدة طويلة، وخلال الأسابيع الأخيرة التي توقفت فيها عن الكتابة، كان العديد من أصدقائي يسألونني عن سر حالة الجمود التي دخلت فيها، وكان جوابي للجميع، «انتظروا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت»، وبعد كل ما حصل من ثورة الجياع، قررت العودة إلى الكتابة، ليس بغرض تحليل ما حدث وتبيان مسبباته، وإنما لأقول للمتسلطين على رقاب الشعب، أن ما حدث ما هو إلا قطرة من فيض، وان ما هو آت اكبر وأفظع، فالجزائر أيها السادة «الكرام» لم تنحدر يوما إلى حالة الفقر التي انزلقت إليها في ظل سياستكم اللاراشدة، وفي زمن لم تشهد فيه خزائن الدولة بحبوحة مالية كالتي تشهدها اليوم، فانتم سادتنا وكما سبق لي أن قلت ذلك في كتاباتي السابقة، لا تعيشون كما نعيش ولا تأكلون كما نأكل وأبناؤكم ليسوا كأبنائنا، ويدرسون بمدارس ليست كمدارسنا ويقيمون في دول ليست كدولتنا، أنتم الغرباء عنا، وأنتم الجاهلون بأسباب ومسببات ثورة الجياع، أما نحن وأمثالنا من أبناء هذا الشعب البسطاء، فنعلم علم اليقين، أن شبابنا الذين دفعتم بهم إلى حمل السلاح، والثورة على أبناء جلدته، وأوصله يأسه من سياستكم إلى حد الانتحار في عرض البحر، فلا يمر علينا يوم إلا وتطالعنا الأخبار بالعثور على جثت العشرات من شباننا، كما كان الحال مع حادثة انتشال جثث الشبان التيارتيين الذين لم تسعفهم أمواج البحر في الوصول إلى الضفة الأخرى، وعادوا في صناديق إلى مسقط رأسهم، واسقطوا بجثامينهم الطاهرة أكاذيب وادعاءات المتسلطين على رقابنا، وألهبوا بالتالي الآلاف من أقرانهم الذين يرفضون الوصول إلى المصير نفسه، فكان أن أحرقت المدينة، واعتقل العشرات من الغاضبين الناقمين على الحقرة والتهميش، ولم يتعظ المسؤولون، بل إنهم أمروا بإحالة المعتقلين على العدالة للانتقام منهم، لكنني وإحقاقا للحق أقول أن العدالة لم تسقط في اللعبة، فأرضت من جهة هؤلاء المتسلطين علينا بإدانة الشبان، وأطلقت من جهة أخرى سراح شباننا بإصدارها عقوبات مع وقف التنفيذ، والظاهر أن هؤلاء السياسيين الذين يقررون مصير هذا الشعب، لم يفهموا رسالة أحداث تيارت، ولم تحركهم أحداث المدينة البترولية قديل، وتوهموا أنه بقمع شبابنا سيسيطرون على الأوضاع، لكن شبان ولاية الشلف، التي تعد واسطة العقد في البلاد، أخلطوا حسابات هؤلاء السياسيين، وأثبتوا لهم في الميدان أن حيلهم لن تنطلي عليهم، وأن شبابنا اليوم متيقن بأن هؤلاء الساسة إنما جاؤوا للانتقام من هذا الشعب وتجويعه، وإذلاله، وإذ أقول كل ذلك فلأن هؤلاء الذين يكتنزون ثروات الشعب ويجوعونه، لا يمكن أن يكونوا منه على الإطلاق، فهم من معدن غير معدنن،ا كما سبق وأن قلت ذلك في كتابات سابقة، فأي منطق هذا الذي يسمح لهؤلاء بتجويع أبناء شعبنا وتجهيلهم؟ فهم يدعون بأنهم يخافون على الأجيال القادمة، وهذا ادعاء يمكن تقبله لو أن شعبنا اليوم يعيش بالحد الأدنى، لكن شعبنا اليوم أيها السادة ولا كرام، بات يعيش أعلى درجات الفقر، والعديد من العائلات أجبرت على بيع أعراض بناتها في ملاهيكم الليلية لضمان لقمة عيش، فأي عيش هذا؟
وأية سياسة هذه؟ فأنتم الغرباء عن شعبكم، ومآلكم لن يحيد عن مآل الغرباء الذين سبقوكم، وإن كنتم بوهمكم تترقبون الاستمرار في اللعب بمصير هذا الشعب، فإنكم تخطئون حساباتكم، فصحيح أن هذا الشعب، صبور، ويتحمل أكثر مما تتصورون، لكنه شعب عصف بأكبر قوة استعمارية، وألحق بها أكبر هزيمة في تاريخها، وهنا تحضرني مقولة الشاعر المصري الملتزم أحمد فؤاد نجم،«صحيح الشعوب بنت كلب ولئيمة، وممكن تزيح العروش في ثواني» فعليكم ياساسة أن تعتبروا بهذه المقولة، فيقيني أنكم بتسلطكم على الشعب لن تضمنوا الوصول إلى الموعد الانتخابي القادم، فالشعب البسيط الذي ظلمتموه واحتقرتموه قادر على إزاحتكم في الوقت الذي يشاء، بفضل إخلاصه لبلده وبفضل دعم أبنائه الذين يشكلون مؤسساته الأمنية، التي باتت تتقيأ سياساتكم، وتدفع تبعات زلاتكم وأخطائكم تجاه أبنائها وآبائها وإخوتها، فأجهزتنا الأمنية وعلى رأسها الجيش الوطني الشعبي، أصبحت وبفعل سياسة انتقامكم من الشعب، تتحمل أعباء ومسؤوليات هي براء منها، ففي الوقت الذي يكافح فيه الجيش ظاهرة الإرهاب، نجدكم أيها الساسة، تدشنون كل يوم بسياساتكم المعادية للشعب مشاتل لمشاريع إرهابيين جدد، فأريحونا منكم يا ساسة وإلا فان بسطاء هذا الشعب سيتحولون إلى براكين ستحرقكم بكل تأكيد.
جمال الدين حبيبي