فشلت سلسلة من جرائم القتل في سحق الصحافة الجزائرية التي كانت مزدهرة خلال التسعينات من القرن الماضي، لكن بعد أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها وحل محلها سلام يشوبه التوتر ربما تكون الصحافة فقدت في عهد الحرية ما اكتسبته في عهد الامن. وفي بلد قتل فيه الصحافيون العلمانيون اما رميا بالرصاص أو بالذبح كانت مسألة حرية الصحافة في الذاكرة القريبة مسألة حياة أو موت.
ويقول عمر بلهوشات رئيس تحرير صحيفة «الوطن» الجزائرية الذي نجا من محاولة اغتيال في عام 1993 «اليوم استطيع الجلوس والاسترخاء في أي مقهى. لم يكن هذا ممكنا من قبل. كنا نعيش حياة شبه سرية». لكن الصحافيين يقولون ان تغطية الصحافة المستقلة الغضة باتت أقل جرأة وهو نهج يعزوه البعض لمحاولات أنصار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لدرء الانتقادات الموجهة له قبل الانتخابات المقررة عام 2009 والتي من المحتمل أن يخوض المنافسة فيها.
وقال محمود بلحيمر وهو نائب رئيس تحرير صحيفة «الخبر» اليومية التي تنتقد القطاع الخاص الراكد والبيروقراطية الحكومية إن «مساحة الحريات ضاقت بالمقارنة مع التسعينيات». واضاف بلحيمر: «الصحافيون باتوا أقل حماسا وعزما وأقل جرأة في مقالاتهم. نحن في مرحلة تراجع» وحكم على عدد من الصحافيين بالسجن بتهمة القذف خلال السنوات الاخيرة.
ورغم أن أيا منهم لم يدخل السجن ولا يزال يزاول مهنته فان الخطر لا يزال قائما بانتظار نتائج الاستئناف. ويقول رؤساء التحرير ان أضرار فرض القيود على الصحافة لا تقتصر على السياسة، فهي تساعد على ترسيخ ثقافة الكتمان في الحكم الامر الذي يعرقل اقامة اقتصاد سوق معاصر يقدر على خلق فرص عمل وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.
وقال بلهوشات رئيس تحرير «الوطن»التي تصدر باللغة الفرنسية «نحن نخوض شكلا من أشكال حرب العصابات مع السلطات… هناك ضغوط من جميع الأنواع. الأمور اليوم متوترة الى حد بعيد». وقتل أكثر من 60 صحافيا ونحو 20 من العاملين المساعدين بينهم موظفون في وسائل اعلام حكومية. ولجأ عشرات الصحافيين للعيش تحت حماية الدولة في فندق المنار بسيدي فريج قرب العاصمة الجزائر.
واليوم يوجد أكثر من 65 صحيفة يومية رغم أن البث الاذاعي والتلفزيوني لايزال حكرا على الدولة. وتبيع الصحف حاليا 1. 2 مليون نسخة يوميا بين السكان البالغ عددهم 33 مليون نسمة. وتصدر نحو 70 في المئة من هذه الصحف باللغة العربية و30 في المئة باللغة الفرنسية. ويفضل الجيل الأصغر الصحف العربية في حين يميل متوسطو العمر وكبار السن والنخبة الحاكمة للصحف الفرنسية.
وينسب الصحافيون الى الحكومة الفضل في الدفاع عن حقوقهم في العمل بعد أن سنت الحكومة اطار عمل تشريعيا جديدا بشأن الاجور وظروف العمل في القطاع الذي عادة ما يتسم بأجوره الزهيدة. لكن بموجب قانون صدر عام 2001 يمكن سجن الصحافيين لمدة تصل الى ثلاثة أعوام إذا أدينوا بالإساءة لكبار المسؤولين في الحكومة والجيش. ويجرم قانون اخر صدر عام 2006 الانتقاد العلني لتصرفات قوات الأمن خلال فترة الحرب.
رويترز