أحمد عمرو
نستطيع أن نقول: إن كل الخيوط متشابكة، فلا يمكن فصل ملف المقاومة في فلسطين أو الوضع في لبنان أو العلاقة مع إيران عن دعاوى السلام مع سوريا التي طفت على السطح الآن، ويمكننا القول: إن النظام السوري محشور في الزاوية..ويبدو، من خلال استقراء آراء الخبراء والمحللين، أن الإسرائيليين على اقتناع بأنهم سينسحبون في نهاية المطاف من الجولان، وسيفككون المستوطنات، كما فعلوا في سيناء وفي غزة، وسيعيدون الجولان، لكن بعد قلع أضراس الأسد.
شهد الملف السوري الإسرائيلي عددا من الإشارات المتناقضة، وربما نقلت الوكالات أنباءً مختلفة، ما يُصعِّب عملية استخلاص تفسير واضح لما يجري. فالعلاقة بين الكيان الصهيوني وسوريا تخضع في مجملها إلى تحليلات متباعدة وربما متباينة.
* تحليل العلاقة بين سوريا وإسرائيل:
ـ يرى بعض المتابعين أن هناك مصالح إستراتيجية تربط بين الأقلية اليهودية في المنطقة، والأقلية العلوية التي تهيمن على فريق الحكم في سوريا، وأن هناك تكاملاً عضويًا بين مصالح النظام في سوريا والاحتلال في “إسرائيل”.
تلك الرؤية، تعتبر أن النظام في سوريا يحتاج إلى استمرار الصراع مع إسرائيل حتى يستمر في الحكم ويبرر ممارساته وإنفاقه العسكري، والكيان الصهيوني في حاجة إلى التهويل بـ”الخطر العسكري” السوري ليبرر طلب مساعدات عسكرية ضخمة، والتركيز على برنامج تسلح هائل.
من جهة أخرى، يشير بعض المراقبين إلى حرص إسرائيل واللوبي الصهيوني في العالم على المحافظة على النظام السوري الحالي أمام تزايد الضغوط الدوليّة عليه، وأن هناك مؤشرات كثيرة توضح ذلك المنحى في الفترة الأخيرة. فقد قاتلت إسرائيل في ربع القرن الأخير مجموعات عسكريّة مدعومة مباشرة وعلنًا من قبل سورية، سواء في لبنان أو في فلسطين، ولكن إسرائيل حرصت دومًا (منذ 1982) على عدم توجيه أية ضربة موجعة إلى الجيش السوري، الذي هو العماد الوحيد للنظام السوري.
والمتابع للحالة السياسية الداخلية في سوريا، يلاحظ أن الخطاب الرسمي السوري يقوم على ضرورة “مواجهة العدو”، وضرورة الاستعداد لملاقاته… في حين أن الحدود بين سوريا وإسرائيل لم تشهد أي حادث يذكر منذ 35 عامًا… ويلاحظ أن القوات السورية لم ترد على أي خرق أو عمليّة تقوم بها القوات الإسرائيليّة داخل سوريا، فبعد حرب أكتوبر عام 1973 تسنى لطرفي النزاع عدم تجاوز “الخطوط الحمراء” في فترات تفاقم المواجهة بينهما. وبقيت خطوط الفصل في مرتفعات الجولان أهدأ خطوط المواجهة بين البلدان العربية وإسرائيل.
ـ منظور آخر، يرى أن سوريا هي المحضن الأساس لعدد من قوى الممانعة في العالم العربي، فهي تحتضن حركة الجهاد وحماس، وكثير من قادة المقاومة الفلسطينية يقيمون في سوريا، بالإضافة إلى علاقتها الوطيدة مع حزب الله في لبنان، وتلك القوى جميعها تتخذ من الكيان الصهيوني عدوًا لها.
كما أنه إلى وقت قريب جدًا، كان أركان الحكومة الإسرائيلية، وأجهزة الأمن والاستخبارات، حتى المجتمع اليهودي، يرفضون بشدة التفاوض مع سوريا.
ففي آخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة يديعوت أحرونوت في الوسط اليهودي الإسرائيلي، ونشرته في عددها الصادر في الخامس والعشرين من هذا الشهر، أفاد أن 56% من اليهود لا يؤيدون تقديم “تنازلات” في الجولان مقابل اتفاق سلام كامل مع سوريا، بينما أجاب 25% من اليهود بأنهم يؤيدون الانسحاب الكامل من الجولان، مقابل 19% من اليهود يؤيدون الا
نسحاب من جزء من الجولان مقابل السلام مع سوريا.
نسحاب من جزء من الجولان مقابل السلام مع سوريا.
كما أن إسرائيل أجرت في الأسبوع الأول من إبريل مناورات عسكرية، اعتبرت الأكبر من نوعها، صرح على إثرها إيهود باراك، بأن الجولان جزء من “إسرائيل”. فهل هذه الشواهد تصب في خانة تقاطع المصالح الإستراتيجية بين الطرفين أم تكاملها؟
كذلك فإن العلاقات السورية الإيرانية لها دورها أيضًا في لعبة السلام العربي الإسرائيلي، فهذه العلاقات أصبحت متجذرة بالشكل الذي قد لا يسمح بتغيير شكل التلاقي بينهما، فالنظام السوري ربط مصيره بالتحالف مع إيران، خاصة وأنه أصبح شبه معزول عربيًا، وما تصريحات الرئيس “بشار الأسد” عن قرب زيارته للقاهرة والسعودية لإزالة الخلافات، إلا مؤشر قوي على مدى ضعف العلاقات العربية السورية، في الوقت الذي زار فيه الأسد إيران مرات كثيرة خلال السنوات القليلة الماضية، كذلك زيارة نجاد إلى دمشق.
وإن كان هناك ما يطفو على السطح من وضع طهران في بؤرة الاستهداف، فإن مدى التعاون الخفي بين إيران وأمريكا، ومن ورائها حليفتها إسرائيل، يعطي زخمًا آخر للعلاقات السورية الإيرانية.
فالمراقب لتشابك العلاقات السورية الإيرانية، يدرك إلى أي مدى وصلت قوة العلاقة بين البلدين، الأمر الذي يجعل من الصعب تصور إنهاء تلك العلاقة النفعية المتبادلة.
ولو أردنا الإجابة عن تساؤل حول رؤية مستقبل العلاقة السورية في المنطقة، سيكون علينا أن نطرح بالتالي تصورين:
الأول: محاولة جذب سوريا إلى محور الاعتدال العربي، الداعم للمقترحات والخطط الأمريكية في المنطقة، من خلال صنع سلام، تحت الضغط المباشر والتهديد؛ لأجل إخافة السوريين من المستقبل، وبالتالي دفعهم لخفض طموحاتهم السياسية، وقبولهم بالسقف السياسي الإسرائيلي المرتفع والمطالب بفك التحالف بين سوريا وإيران، وقطع العلاقة مع حزب الله وحماس، وبالتالي حشر سوريا في حدودها القطرية بمعزل عن امتداداتها وتأثيرها الإقليمي.
الثاني: التلويح فقط بالسلام والدخول في مفاوضات طويلة الأمد، في حين تُحضر كل من واشنطن وتل أبيب لضربة عسكرية محتملة لمحور الممانعة، وتحديدًا لحزب الله في لبنان أو إيران. وتكون سوريا بعد تلك المفوضات، قد فقدت كثيرًا من بعدها الإقليمي لتقف وقتها على الحياد، ولا تلعب أي دور ضد التوجه الأمريكي.
وأخيرًا..
نستطيع أن نقول: إن كل الخيوط متشابكة، فلا يمكن فصل ملف المقاومة في فلسطين أو الوضع في لبنان أو العلاقة مع إيران عن دعاوى السلام مع سوريا التي طفت على السطح الآن، ويمكننا القول: إن النظام السوري محشور في الزاوية.
وبالنسبة لإسرائيل، فأمر السلام ليس أخلاقيًا أو معنويًا، بل هو صراع سياسي. إسرائيل تعمل على تحسين وضعها، وقد حققت ضربة مهمة في هذا الإطار عبر موقفها الجديد من دون أن يكلفها ذلك ولا حتى شبر أرض واحد.
فإسرائيل، عبر عملية دير الزور… والمناورات… وتهديداتها الواضحة وشبه المعلنة إلى النظام السوري… ومن ثم تقديمها الجولان إليه… تقول له في الواقع: انتهى زمن التلاعب، أي أنها تعريه من الحجة السياسية. وتحشره في الزاوية عسكريًّا. وأمام ذلك، يبدو النظام السوري في مأزق حقيقي مزدوج:
سياسيًا: الجولان ليس هو ما يهم النظام السوري الذي لم يطلق رصاصة لتحريره منذ 1973، بل أمور أخرى أولها الحصول على ضمانات باستمراريته كنظام
… وعلى ضمانات بأن لا يتم المس به في المحكمة ذات الطابع الدولي… وبأن يعطى حق الهيمنة بشكل أو بآخر على لبنان.
… وعلى ضمانات بأن لا يتم المس به في المحكمة ذات الطابع الدولي… وبأن يعطى حق الهيمنة بشكل أو بآخر على لبنان.
وعسكريًا: النظام السوري لم يعد يستبعد أن تكون معه مواجهة قريبة بهدف أو آخر، ويعلم أنه لن يتمكن من الصمود أمام الآلة العسكرية الصهيونية، وأنه إذا تمكن من رمي أي صاروخ على إسرائيل، ستكون الضربة الموجهة إليه قوية وسريعة.
مقابل ذلك، لا تبدو إسرائيل ـ التي تعتبر أنها استعادت قدرتها الردعية ـ مستعجلةً من أمرها للتوصل إلى حل مع سوريا، رغم إعلان أولمرت هذا الموقف الجديد. فالانسحاب من الجولان سيثير مشاكل سياسية داخلية عويصة لأي حكومة إسرائيلية تقرره، وقد يؤدي إلى سقوط أكثر من رئيس حكومة.
أضف إلى ذلك، أن الإسرائيليين يشككون في استقلالية القرار السوري، ويعتبرون أن إيران أصبحت قادرة على التأثير اليوم على الجيش السوري مباشرة. وأن الأسد لم يعد قادرًا على الانسحاب من المحور الإيراني ـ الشيعي حتى ولو رغب في ذلك.
ويبدو، من خلال استقراء آراء الخبراء والمحللين، أن الإسرائيليين على اقتناع بأنهم سينسحبون في نهاية المطاف من الجولان، وسيفككون المستوطنات، كما فعلوا في سيناء وفي غزة، وسيعيدون الجولان، لكن بعد قلع أضراس الأسد.
كاتب مصري