علي حتر – الأردن
بأسماء واضحة.. وبدون تستر.. وبلا خوف.. تتناقل الحمامات غير الزاجلة، عبر الإنترنت والخلويات، دعوات بالبريد الإلكتروني.. شعبية شعبية شعبية.. كما تصف نفسها، أي ليس وراءها قيادات تتقن المفاوضات.. والدعوة هي لإضراب حضاري بسيط لا يزيد عن «عدم الخروج من المنزل حتى الساعة الحادية عشرة يوم الأربعاء.. في الرابع من أيار القادم».. أي بعد أيام.. والمطالب الشعبية للإضراب:
– أن تبذل الحكومة جهودا حقيقية للحد من ارتفاع الأسعار
– تثبيت أسعار الغاز والكهرباء
– وقف بيع ممتلكات الوطن
– إنصاف موظفي القطاع الخاص ووضع ضوابط قانونية ملزمة للشركات لرفع رواتبهم
– ولعيون مصر .. تضامناً مع أنفسنا ومع أشقائنا المضربين في مصر…
الداعون يريدون فقط: لفت انتباه أولي الأمر، ولا يريدون مشاكل أمنية.. كما يقولون..
والسؤال موجه للحكومة: هل ستلجأ فقط للملاحقة والبحث عن كبش الفدا.. كعادتها.. وهو أفضل ما تتقن الحكومات المذنبة والعاجزة عن فعل شيء.. أم ستتعامل مع المسألة بحرص ومسؤولية؟
سأفترض أن الحكومة ستدرك ولو مرة واحدة، أنه لا حكمة في قمع التحرك.. رغم أن الداعين للإضراب يقولون في دعواتهم: «لا تقل لن ننجح، جرب أولا، لا تخف، فزمن الخوف انتهى، النتائج الكبيرة تبدأ من أفعال وأفكار صغيرة»..
لكنني لا بد أن أقول.. نحن جميعا نعرف أن الحكومات المتعاقبة هي التي أهملت إهمالا كاملا التراكمات وهي تنمو.. حذرنا من أنها ستوصل البلد إلى ما لا يمكن تقديره..
ولكنها وأخص الحكومتين الأخيرتين، برئاسة البخيت والذهبي، كانت لا تعير المطالب الشعبية أي أذن صاغية.. وكأنها تقول إن الخضوع وحده والقبول وحده والصمت والصبر هي الخيارات الوحيدة أمام الناس..
في مقال سابق حذرت من أن الناس بدأوا يستخدمون اصطلاحا جديدا في الشارع، وهو اصطلاح «قبعت»..!!
ولكن ردود الحكومة هي دائما.. فليقل الناس ما يقولون.. والحكومة ستفعل ما تريد..
أحد كبار المسؤولين في ندوة عن الديموقراطية في الأردن.. تكلم وبالغ عن الازدهار في البلد، فسألته «من أين جئت يا رجل؟ وهل تريد أن تحل مشاكلنا ببسكوتات ماري أنطوانيت؟».. نهض وغادر القاعة ولم يعد.. أمام ثلاثمائة من المدعوين للندوة..
يستطيع الناطق الرسمي للحكومة أن يصرح بما يريد.. ويستطيع كل وزير أن يقول ما يريد.. ولكن المسألة تراكمية.. ولم تولد في ليلة واحدة.. إنه حمل طويل.. ومخاض أطول من فترة الحمل.. حتى بدأت مثل هذه الولادة..
لقد حذر الحريصون على أمن البلد.. من المستقبل.. ولكن لا حياة لمن تنادي..
تناقلت الفضائيات ومواقع الإنترنت قبل فترة أن التوانسة وأهل اليمن السعيد.. حملوا لافتات رفضوا فيها أن يكونوا أردنيين.. عندما تظاهروا ضد الغلاء..
ولم تكترث الحكومة، وكأن هذا هو ما تراهن عليه.. أي الصبر غير المحدود، حتى أصبحنا مقياسا لخجل الآخرين منا..
لكن الحكومات المتعاقبة تعتقد أن الوعود وردود الناطق الرسمي حول المشاكل المختلفة كافية لحلها.. تماما مثل النعامة تدفن رأسها..
 
;
;
لا بد من محاسبة المسؤولين ومساءلتهم.. وليس تبرير تقاعسهم في أداء واجباتهم.. كما فعلت الحكومة الحالية عندما أصدرت تعليمات لمنع تسريب المعلومات حول التجاوزات المالية في مؤسسات الحكومة.. كما كتبنا قبل مدة..
إهمال الحكومة هو الذي أوصل الوضع إلى مستوى أن يتنادى الناس إلى إضراب..
وعلى المؤسسات الأمنية هذه المرة.. أن تدرك أن الناس يألمون.. وألا تبدأ بالبحث بينهم.. عن مثيري شغب وفتنة.. فهم لم يدعوا إلا للبقاء في البيت مدة ثلاث ساعات..
وعلى الأجهزة المسؤولة عن حماية البلد، هذه المرة، أن تبحث عن أسباب المسألة الحقيقية.. وهي ليست السفارة ولا مسيرة عودة ولا تأييد حماس وحزب الله والمقاومة العراقية.. وليست القاعدة ولا أبو سياف.. ولا حتى البيئة.. إنها ببساطة: لقمة العيش.. والحد الأدنى من الحياة الكريمة..
وعلى الحكومة أن تقلل من استخفافها بعقول الناس.. بالوعود التي لا تستطيع أن تحقق شيئا منها.. هذا إذا أرادت أصلا أن تحقق شيئا منها.. فالهموم تتراكم.. والفقر يزداد انتشارا بين الناس.. والأغنياء يزدادون غنى.. ومنهم.. والشواهد كثيرة.. متنفذو الحكومة.