م. زياد صيدم
أحب كثيرا الأفلام الوثائقية وكان مولعا فيها منذ نعومة أظافره ،خاصة تلك التى تبحث في عالم الطير والحيوان، شاهد مرارا السباع وحياتها البرية ، والنحل وعيشتها المنظمة ، وكيف يتفانى الجميع في الدفاع والهجوم على خطر يتحذلق بالقطيع أو المملكة في تفان حتى الموت.
كان جالسا ذاك العصر والشمس تنحدر مسرعة خلف المباني فتكسو الظلال المكان، ويرخى الهواء ستائره من نسمات منعشة ، فقد اعتاد الجلوس أسفل شجرة الليمون الباقية من مجموعة أشجار مثمرة ، من الزيتون والرمان والعنب والجوافة والعناب والتي ذرف دمعا وهى تقتلعها أنياب وحش معدني يسمونه جرافة قبل عدة سنوات، عندما ألحت الحاجة بتوسيع البيت وتحديثه حتى أنه استدعى احد أصدقائه لأخذ تلك النخلة من البلح الأصفر ، فقد عز عليه أن تداس أسفل تلك العجلات العملاقة .. كذلك فعل بشجرة الرمان والعناب فقد كانت لهما ذكرى مميزة في قلبه !!.. مما خفف من حزنه وجفف من دمعه على شجر ورثه عن والده ، فحفظ الوصية برعايته وأكل ثمره في كل عام .. كانت يده اليمنى تلتف حول فنجان القهوة كطفل في يد أمه تمسكه خوفا من ضياعه وقت الذروة في ازدحام الأجسام البشرية في سوق شعبي.. بينما كان يحتضن سيجارته بإصبعيه الأوسط والشاهد في يده اليسرى عندما بدئت في مضايقته ذبابة زنانة خصوصا عندما كانت تقترب من أنفه وفمه ، وفى كل مرة كان يطردها بهز رأسه يمينا وشمالا فيديه مشغولتان لا يستطيعان الحركة أو فعل أي شيء حتى هيأ للذبابة انه قد استسلم لها، فقررت الوقوف رغما عن أنفه على أعلى شفته العلوية وقد استقر رأسها مقابل فتحة انفه من جهة اليمين كتحدي واضح وسافر.. لم يستطع معها صبرا فهي تكاد أن تفقده صوابه.. ففكر بأن يرشقها بفنجان القهوة الساخن ولكنه تراجع في اللحظات الأخيرة ، فهو يحب القهوة حد الجنون، ولكنى اجزم بأنه لم يفعلها خوفا على نظاراته أن تبتل فلا يعد قادرا على مواصلة جلسته تلك….
لمعت في ذهنه المشتت في تلك اللحظات فكرة لم يستغربها في حينه ؟ ولم يفكر في عواقبها في تلك اللحظات القاسية، فما كان منه إلا أن قام بحركة خفيفة وسريعة بمد سيجارته المشتعلة صوب الذبابة المستقرة والتي كانت تلهو بفرك وتنظف جناحيها بأرجلها في مكانها أسفل انفه فهو يراها بعينيه بكل عنادها وتبجحها واستهتارها وتحديها الغير معهود في عالم الذباب ؟ فنال من أجنحتها حتى اشتم رائحة حريق كريهة .. تسربت فورا إلى أنفه لانعدام المسافة بين موقع الحادث وعضو الشم الوحيد فالمعركة كانت هناك على بوابة انفه لسوء حظه.. كانت الرائحة خليطا ومزيجا من رائحة شياط جناحي الذبابة وشعيرات انفه وقليلا من لحم جلده ، حتى ضاقت به الأرض وكاد أن يفقد الوعي .. أو بالأحرى كاد أن يفقد صوابه لولا تماسكه باللحظات الأخيرة..
وضع جانبا فنجانه القهوة.. ونظر متشمتا إلى الذبابة التى سمع حركتها الملتفة حول نفسها بشكل دائري سريع على الأرض .. وبدأ في مخاطبتها مبديا لها أسفه ومسترسلا الحديث معها قائلا: لو انك غادرت وجهي واكتفيت بالمكوث على شعر رأسي أو على قميصي لما حدث ما حدث.. ولو انك لم تعود ثانية بعد أن هززت رأسي مستنكرا وقفتك الأولى على انفي لما كانت نهايتك هكذا.. كانت في كل مرة ترد عليه بحركات دائرية أسرع وبصوتها الزنان كمن تريد القول له لن أقبل أسفا من قاتلي بل وسأضايقك بكل ما عندي من لحظات حياة حتى الرمق الأخير !! فعلا فقد كانت مصرة بإصرار غريب عجيب في تحديها ، قبل أن تهمد حركاتها وتذهب في نزاعها الأخير .. هكذا فهم هو من استمرارها بالزن والدوران، فما كان منه إلا أن نطق بتهديده الأخير قائلا الآن لتقرأى الآن تعويذتك الذبابية الأخيرة..!! قالها وقدمه تنهال عليها حتى صعقها تماما فرفع حذائه ليتأكد من موتها فلم يجدها ؟؟، فاشتط غضبا والتفت ذات اليمين وذات الشمال باحثا منقبا عنها .. و بنظرة لا إرادية منه استرق النظر إلى أسفل نعله، فوجد بقايا ذبابه فشعر بارتياح عميق في نفسه.. فتنفس الصعداء فقد اعتقد بأنه انتصر أخيرا على منغصة جلسته الحالمة!!
بعد أن أحس بنوع من الراحة الداخلية.. أدار بجسده باسطا ذراعه اليمنى جهة فنجان القهوة ليتناوله، وهنا كانت الصاعقة من حيث لا يتوقع !! فتجمد ذراعه في منتصف الطريق إلى الفنجان.؟.. عندها فقط استفاق من نشوته ليجد بعض من الذباب وقد حطت على فنجانه ، تسبح بكل
الاتجاهات كأنها ترقص التانجو على طريقة عالم الذباب ! ،بدأ في عدها بعينيه المشعتين سخطا وحنقا واحدة اثنتان ثلاث نعم إنهم عمال النظافة لم يمروا منذ أيام لعدم وجود وقود لعرباتهم ؟؟.. وهنا كرز على أسنانه حتى خرج ذاك الصرير وغمغم قائلا : يا ليت الأمور على قدر هذا فحسب !! وكشر عن وجهه وهنا شعر بألم فظيع و حرقة تلسع أعلى شفته وحول فتحة انفه تماما مكان سيجارته التى أحرقت جناح الذبابة كما أحرقت تلك المنطقة من جسده.. فقد تقرحت المنطقة فزادت من آلامه وامتعاضه الشديد .. التقط فنجانه بسرعة فطار الذبابات يمينا وشمالا وبدأت تدور من حوله ، أراد أن يرتشف منه رشفة نكاية فيها وعلى أعينها التى تحوم وتراقبه ولا تريد ترك المكان ؟؟ ولكنه سرعان ما صرخ صرخة عاليه تنم عن قهر وحنق شديدين ..!! فقد كانت هناك رابعة قد انزلقت في قهوته، إنها ما تزال تسبح داخل الفنجان..فانتفض واقفا خائبا وهو ينظر في فنجانه وعلامات القرف والتقزز على محياه فسارع بسكبه على الأرض وبدت الهزيمة والحسرة في عينيه اللتان كان يتطاير منهما الشرر..
الاتجاهات كأنها ترقص التانجو على طريقة عالم الذباب ! ،بدأ في عدها بعينيه المشعتين سخطا وحنقا واحدة اثنتان ثلاث نعم إنهم عمال النظافة لم يمروا منذ أيام لعدم وجود وقود لعرباتهم ؟؟.. وهنا كرز على أسنانه حتى خرج ذاك الصرير وغمغم قائلا : يا ليت الأمور على قدر هذا فحسب !! وكشر عن وجهه وهنا شعر بألم فظيع و حرقة تلسع أعلى شفته وحول فتحة انفه تماما مكان سيجارته التى أحرقت جناح الذبابة كما أحرقت تلك المنطقة من جسده.. فقد تقرحت المنطقة فزادت من آلامه وامتعاضه الشديد .. التقط فنجانه بسرعة فطار الذبابات يمينا وشمالا وبدأت تدور من حوله ، أراد أن يرتشف منه رشفة نكاية فيها وعلى أعينها التى تحوم وتراقبه ولا تريد ترك المكان ؟؟ ولكنه سرعان ما صرخ صرخة عاليه تنم عن قهر وحنق شديدين ..!! فقد كانت هناك رابعة قد انزلقت في قهوته، إنها ما تزال تسبح داخل الفنجان..فانتفض واقفا خائبا وهو ينظر في فنجانه وعلامات القرف والتقزز على محياه فسارع بسكبه على الأرض وبدت الهزيمة والحسرة في عينيه اللتان كان يتطاير منهما الشرر..
بينما هو غارق في نهاية مشهد غريب وحزين ألم به .. انتبه على نداء ابنته الصغرى وعتابها الشديد له ، وتذمرها منه ، فقد غفل عن تذكيرها بميعاد المسلسل الوثائقي اليومي المفضل لهما ، حيث فات ميعاده في غمرة حكايته .. فقد كان اليوم مخصصا عن عالم الحشرات كما أفادت الصغيرة فالحلقة كانت ستكون مشوقه كما بدا من عنوانها الدعائي المسبق ؟؟ .. وعندما سمع ابنته تنطق بكلمة الحشرات حتى ارتسمت على وجهه ابتسامة حزينة وحانقة سرعان ما تلاشت بفطنته فهي ابنته المدللة.
ثم ساد بينهما صمت فجأة.. قطعته الصغيرة بقولها وقد همت بالذهاب إلى داخل المنزل :لا تحزن يا أبتي لا عليك.. فغدا صباحا يعاد البرنامج، ولكن برجائي عليك لا تنسى أن تذكرني بالميعاد هذه المرة، لأن الحلقة ستكون رائعة وممتعة فعنوانها قصة ذبابة..!!
فشعر برعشة كماس كهربائي سرى في معظم جسده، و جحظت عيناه !.
إلى اللقاء.