ماذا تبقى لكم من فتح ؟ . حركة التحرير الوطني الفلسطيني ” فتح ” هي صانعة الثورة الفلسطينية المعاصرة ، ورائدة الكفاح المسلح ضد العدو الإسرائيلي منذ انطلاقتها الحقيقية في يوم الكرامة 1968 . أي بعد ثلاث سنوات من إعلان ولادتها 1965 . وعبر السنوات الأربعين أنجزت فتح الانتصارات العظيمة، وحققت النجاحات الكبيرة على المستويين الدبلوماسي و العسكري، بعد أن تبوأت مقاليد منظمة التحرير الفلسطينية . ولقد كان وراء هذه الانتصارات و تلك النجاحات رجال أبطال نذروا أنفسهم لفلسطين، فزهدوا في الحياة الدنيا و ابتعدوا عن مظاهر الترف و الثراء . فعاشوا يقيمون في خيام في صحراء أو في كهوف الجبال، بلا مكاتب زجاجية و بلا مكيفات هوائية و بلا رتب عسكرية . لقد ناضلوا حق النضال فارتفعت قضية فلسطين في سماوات المحافل الدولية، وأصبحت منظمة التحرير عنواناً و ممثلاً شرعياً لشعب فلسطين، بفضل الكفاح المسلح الذي ضم فتح والجبهات الشعبية الأخرى، فزاد عدد المعترفين بها و المؤيدين لها و المناصرين للحق السليب، إلى أن تكللت هذه المسيرة الكفاحية بإقامة السلطة الفلسطينية على جزء من الأرض في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي وجد فيها المقاتلون استراحتهم و استرخاءهم . ومن هنا بدأ تراجع المد الثوري، فظهرت علامات الاعتلال… و طفت على السطح مظاهر أمراض خبيثة قد استوطنت و انتشرت في الجسم الفلسطيني، و كان أوضح هذه المظاهر هو تحويل قضية فلسطين من قضية وطنية إلى شركة مساهمة لا وطنية ، فتكالبت عليها قوى الطمع، وامتدت إليها مخالب القطط السمينة لإشباع نهمها من المال العام ، ومن الرتب والمناصب التي لا يستحقها كثير منهم …..و حوصر ياسر عرفات الذي أمضى عمره مناضلاً وطنياً ، نظيف اليد ،عفيف النفس، فقير الحال بلا مال، و هو المهندس القادر على أن يعيش حياةً هادئة ناعمة، ولكنه لم يكن يتطلع إلى الثراء، و لم يكن يلهث وراء الجاه و السلطان، بل كان همه قضية شعبه، يدافع عنها أو يموت شهيداً شهيداً . ومن فضل الله عليه أن فاز بالشهادة إن شاء الله . وترهلت فتح في آخر زمانه، و نخرت بنيانها المصالح الشخصية و الصراعات الداخلية بين قيادات الأجهزة الأمنية، و استشرى في جسد الوطن الفلتان الأمني الذي أعطب البلاد وأرهق العباد . و دارت الأيام، وحلت الكارثة بالحسم العسكري الذي أحرزته حماس، فانقلبت على الشرعية المتمثلة في رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. وهكذا سيطرت حركة حماس على مقاليد الأمور في قطاع غزة . ونامت فتح نومةً طويلة، لا ندري متى تصحو ومتى تفيق. هذه هي فتح التي لم يبقَ منها إلا الفكرة الوطنية الثائرة و الذكرى الجميلة في وجدان الفلسطينيين ، ذكرى الانتصارات و الإنجازات، ذكرى رجال منهم من قضى نحبه أمثال ياسر عرفات و صلاح خلف و خليل الوزير….. و غيرهم، و ذكرى رجال منهم من ينتظر أمثال فاروق القدومي و محمود عباس……. و غيرهما . ولكن إلى متى نظل نجتر الماضي و ذكرياته، ونصفق لبطولات قديمة و لأبطال سابقين، و نركن خلف ستار كثيف يحول دون رؤية الحاضر و استشراف المستقبل و التخطيط له؟ . إلى متى نظل نتداول حكاوى زمان ، ونتلمظ حلاوة أيام زمان، دون أن نضيف إليها إنجازاً جديداً ؟. أخي عزام : إن الواقع الذي تعيشه فتح الآن، يستدعي التقييم و التقويم ، فهي تحتاج إلى تجديد خلايا جسدها، و بعث روحها، و إمدادها بدفقات دم شبابية جديدة، (و الشكر موصول للرعيل الأول، والله يعطيه ألف عافية ). فماذا فعلت فتح طيلة الشهور التي تقترب من السنة ؟ هل لملمت شعثها، وصنعت من نسيجها حركةً قادرة على التعاطي مع الأزمات و الشدائد ، والسير بشعب متعطش لقيادة توجهه إلى طريق الخلاص ؟ . هل درست فتح أسباب الانتكاسة التي شطرت الوطن إلى شطرين ؟ . هل خلصت فتح إلى الدروس و العبر، فأصلحت ما فسد فيها و ما فسد منها بإزاحة المعوقات الفكرية و السياسية ، وبتنحية أولئك الذين شاخت بهم الحركة و الذين هرموا ممن يعتقدون أنهم المالكون الوارثون لحركة فتح وحراس الثورة . فالثورة الفلسطينية ليست إرثاً يورَّث للأبناء والزوجات ، إنما هي للشعب كله ، فهو الذي يرفدها بالأبناء البررة وقوداً يجعلها دائمة الاشتعال في وجه العدو الصهيوني المغتصب للأرض، ولن تخبو جذوتها في بلاد ولاّدة بالأبطال و القادة العظماء . فأسرعوا أيها الغيورون على المشروع الوطني، يا أبناء فتح ويا أحفاد ياسر عرفات إلى نجدة حركتكم “فتح” ، و إسعاف ثورتكم الفلسطينية حتى تتعافى و يصلب قوامها. فمن يرد إليها عافيتها غيركم؟ ومن يقيلها من عثرتها غيركم ؟ ومن غيركم ينفخ فيها روح الحياة و الحيوية ؟ ومن غيركم يرفع لواء العاصفة في سماء فلسطين ؟ ليعود إلينا هتافنا، رمز ثورتنا يعرج إلى فضاء الحرية : ” و إنها لثورة حتى النصر “. ابدأوا أيها الفتحاويون بالخطوة الأولى ، بالفرز الديمقراطي وبفصد الدم، وذلك بانتخابات حقيقية تتسم بالنزاهة والحرص على استمرارية الثورة، ووفاء للوطن والشهداء والجرحى والمعتقلين. حينها سيطمئن قلبي وقلوب المحبين لكم ، وترسموا خطوات الزعماء قادة الثورة الفلسطينية الأوائل …. فلا مجال للتحسر، ولا مجال للتلاوم ولا مجال للبكاء على الأطلال، فاعملوا وأخلصوا أعمالكم لوجه الله ثم للوطن، حتى يعلو شأنكم، وتسمو مكانتكم … فليس فينا واحد مهما علا مقامه يستطيع أن يتخطى حاجزاً أو يمر عبر بوابة إلا بإذن من جندي إسرائيلي. دعوني أيها القرّاء أبحث، بل ابحثوا معي عن القشة التي قسمت ظهرنا، وفتشوا معي عن القشة التي ما إنْ تمسكنا بها تعصمُنا
من الغرق يوم يرتفع الطوفان، والأمر يومئذ لله ثم لأولي الأمر فينا. أخي عزام : استنهض فيكم همتكم وإخلاصكم , وأذكركم فقط أن الجموع الفتحاوية في قطاع غزة قابضة على الجمر , وإنها تنتظر من يرعاها ويرعى مسيرتها , ويسير بها إلى فجر تبزغ فيه شمس النهار إيذانا بعودة الأمجاد من بين الركام , وإنها ترقب ما يسفر عنه مؤتمر الحركة السادس , لعله يلد شبلا فتيا لذياك الأسد الهرم . ***