رشيد شاهين
يبدو أن صناع القرار في الولايات المتحدة الأميركية أدمنوا أو في أحسن الأحوال استطابوا التفرج على العالم وهو يقف في حالة من القلق وعدم الاستقرار والانتظار والترقب لما سوف يمكن أن يحدث في هذه البقعة أو تلك من العالم، وما هو القرار الذي سوف يتم اتخاذه من قبل حاكم البيت الأبيض فيما يتعلق بهذه القضية أو تلك من قضايا هذا الكوكب.
سيد البيت الأبيض يبدو أنه اتخذ قرارا بألا يغادر “كرسي” الرئاسة إلا بعد أن يكون قد ترك إرثا ثقيلا لمن يأتي بعده بغض النظر عمن يكون، سواء كان الساكن الجديد من الحزب الديمقراطي المنافس بقوة على دخول المكتب البيضاوي أو من الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه السيد جورج دبليو بوش.
فليس من الصعوبة على أي مراقب أن يلاحظ ما هي الآثار السلبية التي تركتها السياسات التي يمكن أن توصف “بالرعناء وغير المسؤولة” والتي اتبعها الرئيس الأميركي جورج بوش (من خلال كل الكذب الذي تمت فبركته وصناعته في دوائر التآمر بشكل ممجوج يتسم بالوقاحة عدا عن الاستهتار بعقول البشر، وكذلك من خلال هذا الهوس الديني الذي يسيطر عليه والذي لا يقل بحال من الأحوال عن هوس من يصفهم بوش نفسه بأنهم مجموعات من الرعاع أو القتلة أو أي توصيفات أخرى تتفتق عنها “قريحته” التي اكتشف العالم بأنها مريضة) في أكثر من بقعة في العالم ليس فقط على الأقطار المعنية بشكل مباشر بتلك السياسة لا بل وحتى على الولايات المتحدة الأميركية نفسها.
وحيث أنه قيض لنا أن نكون من أبناء هذه البقعة من العالم فإننا يمكننا أن نتحدث عنها إذا ما أردنا أن نغض الطرف عن بقية أرجاء الكون وسوف نتعرض لبعض الأمثلة وليس بالضرورة كلها لأننا نعتقد بأن فيما سنتعرض له ما يكفي لإيصال الرسالة المرجوة. فإذا ما نظرنا إلى ما الذي حدث في أفغانستان على سبيل المثال فإن بالإمكان أن نميز بأنه وبعد حوالي ستة أعوام من الهجوم غير المبرر الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية ومن تحالف معها – في أسوأ حرب انتقامية تقوم بها دولة عظمى ضد بلد موغل بالتخلف- أين صارت أفغانستان وما الذي حققته الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في هذا البلد برغم كل المزاعم ومحاولات التجميل والترويج -لإنجازات لا توجد إلا في أذهان من يروج لها- التي تحاول إدارة السيد بوش ترويجها عن نشر قيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.
ونحن عندما نقول هذا الذي نقوله، فإنما ليس في ذهننا أن ندافع أو أن نتبنى أو أن نروج ولا بأي حال من الأحوال لفكر تنظيم القاعدة أو من يرتبط بها ولا للحركات الإرهابية بكل أشكالها وانتماءاتها التي روعت الأبرياء في كل أنحاء العالم، بقدر ما نحاول التأكيد على أن سياسة البلطجة وممارسة ما يمكن أن نسميه إرهاب الدولة الممنهج والمبرمج الذي تتبعه الولايات المتحدة الأميركية في ما تدعي بأنه “حربها على الإرهاب” لا يقل خطرا ولا يقل إرهابا ولا ترويعا كذلك ولا بحال من الأحوال عن إرهاب تنظيم القاعدة الذي هو في حقيقة الأمر ليس سوى إحدى المنتجات الأميركية الخبيثة خلال الحرب التي كانت تعرف بالباردة، والتي أرادت من خلاله محاربة الفكر “الإلحادي” كما تم التنظير له وتبنيه وتمويله ورعايته وتوفير كل مقومات القوة له في حينه.
أما فيما يتعلق بالعراق فنعتقد بأن الحال لم يكن أكثر إشراقا أو نجاحا بالنسبة لبوش وزمرته المتصهينة والتي أخذت على عاتقها أن تدمر هذا البلد وأن تعيده عشرات السنين إلى الوراء، وأن تعمل في أهله تقتيلا وفتكا وتجهيلا وتجويعا وتشريدا بحيث أجمعت كل المؤسسات العاملة في كافة المجالات المتعلقة بنشر ما صار يعرف بمفاهيم الديمقراطية والحريات العامة ومكافحة العنف واللاجئين ومكافحة الفساد وحقوق الإنسان على أن ما تسببته الولايات المتحدة الأميركية في غزوها لهذا البلد واحتلاله يعتبر كارثة بكل المقاييس ولا يمكن أن تقارن.
أما فيما يتعلق بالفساد المالي والإداري فلقد تم تصنيف العراق على أنه من أكثر الدول في العالم فسادا من الناحية المالية والإدارية، كما تحول البلد إلى ساحة مستباحة لكل أشكال العصابات المتخصصة في كل أنواع الإجرام من القتل والابتزاز وسرقة الآثار والبنوك والنفط والتهريب والاغتصاب هذا عدا انتشار الميليشيات المتعددة الولاءات والارتباطات التي صارت السيد والحكم هذا عدا عن حالة الفلتات الأمني التي لا يمكن مقارنتها في أي حالة من الحالات ولا في أي بلد من البلدان لا في الوقت الراهن ولا في الأوقات السابقة.
يحدث هذا في العراق “الجديد” في الوقت الذي لا يتوقف فيه سيد البيت الأبيض والزمرة المحيطة به عن ترديد كل الكذب المخجل والدعاية الزائفة عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتخلص من النظام الديكتاتوري في العراق، وأن البلد بدأ بالتحول إلى ما يشبه
الواحة الديمقراطية في منطقة تسودها الأنظمة القمعية والديكتاتورية أو البغيضة ،وإذا كان الأمر كذلك فالسؤال هو لماذا يتم الإبقاء على تلك الأنظمة ولماذا لا يتم التعامل معها على نفس السوية من التعامل مع نظام صدام حسين في العراق.
الواحة الديمقراطية في منطقة تسودها الأنظمة القمعية والديكتاتورية أو البغيضة ،وإذا كان الأمر كذلك فالسؤال هو لماذا يتم الإبقاء على تلك الأنظمة ولماذا لا يتم التعامل معها على نفس السوية من التعامل مع نظام صدام حسين في العراق.
ونحن هنا أيضا لا نحاول الدفاع عن النظام العراقي السابق لأننا لا يمكن أن ندافع عن أي نظام ديكتاتوري أو يمارس القمع لشعبه، كما أن هناك من هو أحق بأن يقوم بهذا الدور والذي نعتقد بأنه أيضا أكثر قدرة منا على الدفاع عن نظام صدام حسين، إلا أننا نتساءل، إذا كان بوش هو مخلص البشرية من ظلم الحاكمين، فلماذا يبقي على كل تلك الأنظمة التي يعرفها كما نعرفها ولماذا لا يحرك حتى ولو إصبعا واحدا في وجهها في محاولة منه لتخليص شعوبها منها، وأن يقوم بما قام به في العراق.
الرئيس الأميركي الذي لم يتردد أو يتوان عن تدمير أفغانستان هذا البلد الذي لا يشبهه من البلدان في التخلف إلا القليل، كما وذبح العراق، يبدو أنه لم يكتف بذلك، فهو وبعد أن فشل كل هذا الفشل الذريع والمريع في كلتا التجربتين حاول التوجه إلى لبنان فصار يتدخل بشكل ممجوج من خلال التبع والأذناب الذين تمت زراعتهم في ذلك البلد وهو وعلى مدى السنوات الماضية ومن خلال كل الأدوات المأجورة استطاع أن يبقي البلد على كف “عفاريته” التي لا ترغب في أن ترى البلد في حالة من الاستقرار والهدوء، في استجابة واضحة لتوجهات وتوجيهات سيد البيت الأبيض وهي لا تتوقف عن خلق الأزمات الواحدة تلو الأخرى.
وهنا لا نريد الخوض في ما الذي تحاول إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش القيام به في دولة السودان من خلال إقليم دارفور، ولا ما الذي قامت به ضد ليبيا وغيرها من البلدان في المنطقة، حيث أن القائمة طويلة والتجارب تؤكد على سياسات لم تكن في يوم من الأيام سياسات صحيحة أو تنم عن حنكة أو معرفة جيدة بالمنطقة.
وإذا ما أخذنا الواقع الموجود في فلسطين، فإننا سوف لن نجد الأمر بأحسن حال مما هو عليه في البلدان الأخرى التي تستهدفها الولايات المتحدة بقيادة السيد جورج بوش. فبرغم كل ادعاءات الرئيس الأميركي عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وبرغم أن الإدارة الأميركية ومن خلفها أو من أمامها أو من على جنبها الدولة العبرية عندما دفع الطرفان – أميركا وإسرائيل- بكل قوة باتجاه ان تكون هنالك انتخابات تشريعية في فلسطين، تلك الانتخابات التي جرت وبشهادة كل الشهود من شتى دول العالم، حول شفافية ونزاهة وحرية تلك الانتخابات، إلا أن المفاجأة كانت أن أول من انقلب على تلك النتائج كان السيد الأميركي والدولة العبرية في رفض فاضح لما أفرزته -ما يمكن أن نطلق عليه- أبهى التجارب الديمقراطية في المنطقة العربية.
إننا نعتقد وبرغم ما لنا من تحفظات على ما حصل خلال العامين الماضين وبعد فوز حركة حماس أن من أجهض هذه التجربة الديمقراطية وأن أول من تآمر عليها كان هو من شجع ودعا إليها ألا وهو إدارة بوش ودولة الكيان الإسرائيلي – طبعا يمكن أن يضاف إلى ذلك الكثير من الدول في المنطقة والتي تدور في الفلك الأميركي والتي يبدو أنها لم يعجبها لا نجاح التجربة الديمقراطية ولا نجاح حركة حماس- وهذا ما لا يمكن أن نفهمه سوى أن دعوات الولايات المتحدة للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لا تمت إلى الأصالة بشيء وأنها دعوات مشبوهة ولا يمكن أن يتم مباركتها إلا إذا كانت نتائجها تتوائم مع العقلية والسياسة والأهداف الأميركية، وأنها إذا ما خالفت تلك التوجهات أو الأهداف فانه يتم التعامل معها بشكل فج ولا يتم الاعتراف بها ولا بما تمخضت عنه.
أما ما هي نتائج تلك السياسات الأميركية على الولايات المتحدة نفسها فإننا نعتقد بان أي منا يستطيع أن يضع إصبعه مباشرة على كل هذا الذي حصل للولايات المتحدة الأميركية خاصة خلال السنوات التي تلت غزو أفغانستان والعراق، ويمكن إن نقول بأن الولايات المتحدة صارت من أكثر الدول بغضا في العالم، وصار ينظر إليها على أنها دولة غير منسجمة بما تحاول الترويج له من دعم للديمقراطية وحقوق الإنسان وغير ذلك من الشعارات التي ثبت أنها فارغة ولا علاقة لها بالواقع.
الولايات المتحدة بالإضافة إلى ذلك فقدت مصداقيتها وتعاملت خارج وضد القانون الدولي وكل المواثيق التي تنص عليها شرعة الأمم المتحدة وتصرفت في كثير من المسائل بطريقة بعيدة عن العلاقات السائدة بين الدول كما تعاطت كدولة خارجة عن القانون وهذا ليس في مجال غزو الدول واستثمار قوتها بل وحتى في ما يتعلق بالمناخ والبيئة وغيرها.
في كثير من الحالات ثبت أن سياسة أميركا في العالم سببت كراهية الشعوب للدولة العظمى الأولى في العالم، وان اعتقدت إدارة بوش أو غيره بأنها بفتات المساعدات أو حتى كثيرها تستطيع أن تشتري قلوب البشر أو محبتهم فان ذلك ينم عن حالة جهل أخرى تعيشها أميركا وم
ن يقدم لها التقارير في بقاع العالم، وان عليها أن تراجع تلك التقارير لان فيها الكثير من الكذب والتزوير كما كانت تقارير العملاء الصغار حول العراق وأسلحة العراق التي ثبت أنها تقارير مزورة ومفبركة وكاذبة.وعلى أميركا أن تعلم بأنه ليس بالخبز وحده يحي الإنسان، وان كثيرا من شعوب العالم لا تريد خبز المساعدات الأميركية ولا ما يقال عنه أو يتم تصنيفه تحت – هدية من شعب الولايات المتحدة الأميركية-.
ن يقدم لها التقارير في بقاع العالم، وان عليها أن تراجع تلك التقارير لان فيها الكثير من الكذب والتزوير كما كانت تقارير العملاء الصغار حول العراق وأسلحة العراق التي ثبت أنها تقارير مزورة ومفبركة وكاذبة.وعلى أميركا أن تعلم بأنه ليس بالخبز وحده يحي الإنسان، وان كثيرا من شعوب العالم لا تريد خبز المساعدات الأميركية ولا ما يقال عنه أو يتم تصنيفه تحت – هدية من شعب الولايات المتحدة الأميركية-.
إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية ترغب فعلا في أن لا تستمر الكراهية العالمية لها ولسياساتها عليها أن تتعامل بمعيار واحد وأن تنظر إلى قضايا العالم بكلتا العينين لا أن تغض الطرف عن حاكم عميل هنا أو ملك خانع أو رئيس تابع هناك، كما أن عليها أن لا تتعامل مع قضايا الشعوب على أنها قضايا إنسانية فقط وانه يمكن حلها من خلال المساعدات الإنسانية التي لا تسمن ولا تغني عن جوع، أو من خلال الكثير من مؤسسات وجمعيات الإغاثة التي صارت تتكاثر بشكل مشبوه ويثير علامات الاستفهام، هناك الكثير من القضايا التي لا يمكن أن تحل من خلال هذه المؤسسات التي تحاول الانتشار من اجل تقديم كيس من الطحين أو فتح حضانة أو بناء سور أو حديقة أو إنشاء مستشفى، هذه المسائل لم تعد تنطلي على الناس، ربما كان الأمر كذلك حلال فترة من الزمن معينة إلا إنها سياسة أصبحت مكشوفة ولا يمكن أن تغطي عورة الولايات المتحدة ولا سياساتها الحمقاء ضد دول العالم. لم يعد ممكنا خداع العالم بهذه المساعدات التي إذا ما تم حسابها فهي لا تساوي أي شيء مقارنة مع الميزانية الخيالية للولايات المتحدة وهي ليس سوى محاولات عقيمة لتجميل صورة أميركا القبيحة في عيون العالم.
اعتقد أن هناك ممن يقومون بكتابة التقارير في البلدان التي يتم تقديم المساعدات فيها من هو مخلص في قول الحقيقة عن نظرة العالم لما تقوم به أميركا، ولا اعتقد أن هؤلاء يقدمون تقارير وهمية لا تمت للواقع بصلة،إلا أن أحدا لا يقوم بقراءة تلك التقارير- ربما أكون مخطئا- لأن الغطرسة الأميركية لا تدير بالا إلى ذلك وأن لدى أميركا أجندة معينة تريد تنفيذها في المنطقة والعالم وهذا ما نرجحه من خلال ما نراه يطبق على ارض الواقع.
لست ادري فيما إذا كان هناك من رجل رشيد في الإدارات الأميركية يمكنه أن يقول بأن حركة التاريخ لا يمكن أن تتوقف وأن على أميركا أن تدرك أن ما يجوز اليوم لا يجوز بالضرورة غدا وان عليها أن تتوقف عن ممارسة غطرستها لان للعالم في التاريخ عبرة واعتقد بأن تجربة الاتحاد السوفييتي السابق ليست ببعيدة فهي قد حصلت بالأمس ولا زال الكل منا شاهدا عليها، ترى هل تعتبر أميركا من تلك التجربة؟ أم ترى أن غطرستها ستقودها إلى مغامرة أخرى لن تكون أقل فشلا مما سبق؟
بيت لحم
30-4-2008