ميساء البشيتي
أنا ومذياعي العتيق وضرب من الهذيان العنيد نتنقل في محرابك ، ندور في فلكك المشحون ،
نبحث عن فكرة ، عن كلمة ، عن خبر سعيد .
لا أخبار سعيدة عنك اليوم ، لا أفق صاف ٍ في عينيك ، لا أفق أرنو إليه وقد نقشوا في بؤبؤ عينيك وعلى حجري مقلتيك أحجية الجدار.
كيف أذوب في يّمك وأنا صخرة جرداء تكسرت على أبواب شرفتها رياحك المجنونة فتبعثرت ورودا ً عقيمة وحبالا ً من الياسمين المرّ وظلالا ً من البنفسج الحزين ؟
كيف أتخطى أعداد الشهداء وأنفاس الثكالى المثخنة وصيحات الأرامل لأتلو لك حكاية ألف ليلة وليلة وأسطورة الإلياذة والأوديسا وأترجم لك سيمفونيات عشق جلجامش وآلهة الإغريق ؟
كيف أتخطى فكرة مجنونة تراودني كل صباح أن أفرّ إليك من الحصار ؟ أن تحملني إليك ورقة هاربة من صفحات أيلول الحزينة تتأرجح حروفها على جناح قبرة عمياء ويلوح بها ذيل يمامة ترفع شارة النصر وتحمل غصن الزيتون ؟
كيف أحلم بك وأنت من الألف إلى الياء وعود منثورة وأحلام مكسورة وقواف ٍ مهجورة عند زوايا التاريخ وعلى عتبات المنافي وفي هوامش السنين ؟
ما جدوى الرحيل إليك ؟ ما جدوى الإبحار في زرقة عينيك ؟ ما جدوى الانغماس فيك ؟ ما جدوى الاحتماء فيك ؟ ما جدوى الاختباء فيك وأنت مكشوف الرأس ، عار ٍ حتى أخمص القدمين ؟
ما جدوى الهروب إلى ألف البدايات وتسلق همزات الوصل ومحاربة حروف العلة والأسماء المنقوصة والممنوعة من التشكيل وأنا نار النهاية تلفح ذيل ثوبي ، تعانق أردانه وتجتاحه من التلابيب ؟
ما جدوى أن أحلم بالجنة التي تعدني وتقبيل الملائكة ومعانقة ظلال الياسمين والكتابة بماء الزهر وتصفح أوراق الورد وأنا أهوي بك وبأحلامي إلى قعر الجحيم ؟
أنا الآن أخطو في السطر الأخير من رواية عمري ، أرسم حروف النهاية ، أكور نقطة الختام وأنت ما زلت تتعثر عند سقف العناوين ، ما زلت تحبو نقطا ً تائهة ً وفواصل منقوطة وعلامات استفهام في لجة السطور .
العود للبدايات ضرب من الجنون ، ملامسة الماضي وحروف الماضي جريمة نكراء بحق أبائنا الأولين ، لملمة الدموع وإعادة نشرها على صفحات التاريخ مجففة ، باردة ، باهتة ، ضرب من المستحيل ، ماذا تريد ؟ ماذا تريد ؟
أأضع النقطة ؟! أأضع القلم ؟! أأضع النهاية؟! أأوقف إلى عينيك الرحيل ؟!
ميساء البشيتي